معقولة ولم يضعوا لكل واحد منها عبارة تخصه كما فعلوا ذلك في الألوان ، وكذلك لم يضعوا لاختلاف الأكوان (١) اسما كما وضعوا لاختلاف الألوان ، وأمور كثيرة معقولة لم يضعوا لها عبارة ، فما المنكر من أن يكون حكم الإيجاب ذلك الحكم؟
ولو سلم ذلك لقد وضعوا لذلك وهو قولهم : «أوجبت عليك» ، و «ألزمتك إياه» ، أو «فرضت عليك» ، أو متى لم تفعله استحققت الذم والعقاب ، وهذه عبارة تفيد ما اقترحتموه (٢) على أن الندب أيضا معنى معقول ، والإباحة معنى معقولة ، ولم يضعوا لها عبارة.
فإن قلتم : قد وضعوا لهما عبارة وهي قولهم (٣) : «ندبتك إليه» أو «أبحتك إياه».
قيل لكم : في الإيجاب مثله.
فإن قلتم : قولهم : «أوجبت» و «ألزمت» إنما هو خبر وليس بأمر.
قيل لكم : وكذلك قولهم (٤) «ندبت» و «أبحت» خبر محض وليس بأمر ، فاستوى القولان.
فأما الاستدلال بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٥) على أن أمرهما يقتضيان الإيجاب.
فلا يصح لأن الآية تضمنت الأمر بالطاعة لهما ، والكلام في الأمر وقع هل مقتضاه الإيجاب أم لا؟ فالاستدلال بها لا يصح (٦).
__________________
(١) المقصود من الكون هو ما يحصل للشيء بسبب تحيزه في ظرف معين من المكان ، وقد قسم المتكلمون الكون إلى أربعة أقسام الحركة ، والسكون ، والاجتماع ، والافتراق.
(٢) انظر : الذريعة ١ : ٥٥ و ٦٠.
(٣) في الأصل : قولك.
(٤) في الأصل : قولكم.
(٥) النساء : ٥٩.
(٦) انظر : المعتمد في أصول الفقه ١ : ٦٥.