ويدل أيضا على صحة ما ذهبنا إليه رجوع المسلمين بأجمعهم من عهد رسول الله (١) إلى زماننا (٢) في وجوب الأفعال واحتجاجهم في ذلك إلى أوامر الله تعالى وأوامر رسول الله (٣) فلو لا أنهما يقتضيان الإيجاب وإلا لم يجز ذلك.
وكان للمحتج عليه أن يقول : وأي شيء في ذلك مما يقتضي الإيجاب؟ والأمر لا يقتضي الإيجاب.
وفي علمنا بإجماعهم على ذلك دليل على صحة ما قلناه.
وليس لأحد أن يقول : إنهم عقلوا ذلك بقرينة دلتهم على ذلك. لأن هذا دعوى محضة ، ومن ادعى القرينة فعليه أن يوردها ، ولم نر المحتجين بأوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذكروها على حال. فهذه أيضا طريقة معتمدة.
ومن الفقهاء والمتكلمين (٤) من استدل على أن الأمر يقتضي الإيجاب بأن قالوا : إن الإيجاب حكم معقول فلا بد من أن يكون أهل اللغة وضعوا له عبارة ، لأن الحاجة إليه ماسة وليس نجد عبارة تستعمل في ذلك إلا هذه اللفظة ، فينبغي أن تكون مفيدة للإيجاب.
واعترض على هذا الدليل من خالفهم بأن قالوا : هذا محض الاقتراح ، ولم يجب على أهل اللغة أن يضعوا لذلك عبارة ، إلا أنهم قد وضعوا لكل أمر معقول عبارة فإن ادعيتم ذلك كان الوجوب (٥) بخلافه ، لأنا نعلم أن اختلاف الآراء يبيح أمورا
__________________
(١) النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٢) زماننا هذا.
(٣) رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٤) هذه إحدى الأدلة التي نسبها الشريف المرتضى (ره) (الذريعة : ١ ـ ٥٥) إلى القائلين بالوجوب واحتج بها أبو الحسين البصري (المعتمد ١ : ٥٩ ـ ٥٨) للدلالة على أن صيغة الأمر للوجوب ، يقول : «دليل آخر : الإيجاب معقول لأهل اللغة ، وتمسهم الحاجة إلى العبارة عنه ، فلو لم يفده الأمر ، لم يكن له لفظ!».
(٥) الوجود.