الأحكام (١)* ، بل لوجودها في مسائل معدودة ، ولا في الإجماع لوجود الاختلاف في ذلك ، فعلم أن ادعاء القرائن في جميع هذه المسائل دعوى محالة.
ومن ادعى القرائن في جميع ما ذكرناه كان السبر (٢) بيننا وبينه ، بل كان معولا على ما يعلم ضرورة خلافه ، مدافعا لما يعلم من نفسه ضده ونقيضه.
ومن قال عند ذلك : إني متى عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل (٣)*. يلزمه أن يترك أكثر الأخبار وأكثر الأحكام ولا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به.
وهذا حد يرغب أهل العلم عنه ، ومن صار إليه لا يحسن مكالمته ، لأنه يكون معولا على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه.
ومما يدل أيضا : على جواز العمل بهذه الأخبار التي أشرنا إليها ، ما ظهر بين الفرقة المحقة من الاختلاف الصادر عن العمل بها ، فإني وجدتها مختلفة المذاهب في الأحكام ، يفتي أحدهم بما لا يفتى به صاحبه في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى أبواب الدّيات من العبادات ، والأحكام ، والمعاملات ، والفرائض ، وغير ذلك ، مثل اختلافهم في العدد ، والرؤية (٤)* في الصوم.
واختلافهم في أن التلفظ بثلاث تطليقات هل يقع واحدة أم لا؟
ومثل اختلافهم في باب الطهارة ، وفي مقدار (٥)* الماء الّذي لا ينجسه شيء.
__________________
(١) عمن.
(٢) السبر : استخراج كنه الأمر.
(٣) * أي الحظر أو الإباحة أو التوقف ، وتوهم بعض المتأخرين أن المراد القرائن العقلية الدالة على صحة متضمن تلك الأخبار وقال : مراده بقوله : يلزمه أن يترك أكثر الأحكام إلخ ، انه يلزم من ذلك استقلال العقل بأكثر الفروع الفقهية ، وهذا مما لا يقول به أحد.
(٤) * حيث ذهب بعض الأصحاب إلى أن هلال رمضان يثبت بالرؤية لا بالعدد ، وبعضهم إلى أنه يثبت بكل منهما. واعتبار العدد له معنيان : الأول عد شعبان تسعة وعشرين أبدا ورمضان ثلاثين أبدا ، والمعنى الثاني عد خمسة من أيام رمضان الماضي وصوم الخامس من الحاضر.
(٥) * حيث ذهب بعض الأصحاب إلى أنه يشترط في عدم انفعال الماء مقدار يسمى بالكر ، وذهب بعض آخر