ذلك مما لا يحصى كثرة.
ورد هذه الأخبار ظاهر بينهم ، كما ظهر بينهم العمل بما ذكروه من الأخبار ، فإن كان عملهم بما عملوه دليلا على جوازه ، فردهم لما ردوه يجب أن يكون دليلا على المنع منه ، ولا فرق بينهما على حال.
وليس لأحد أن يقول (١) : نحن لا ننكر رد كثير من الأخبار إذا لم يكن شرط وجوب القبول فيه ثابتا.
وذلك : أن هذا التأويل في رد هذه الأخبار إنما يسوغ إذا ثبت أنهم عملوا بخبر الواحد ، فأما ولما يثبت ذلك ، بل نحن في سبر (٢) ذلك فلا يمكن تأويل ذلك.
ولا فرق بين من تأول هذه الأخبار وقال : إنهم ردوها لبعض العلل ليسلم له العمل بتلك الأخبار ، وبين من عكس ذلك فقال : إنهم عملوا بتلك الأخبار لقيام دليل دلهم على ذلك غير نفس الأخبار لتسلم له ظواهر هذه الأخبار ، ولا فرق بينهما على حال.
على أن هذه الطريقة التي اعتمدوها توجب عليهم وجوب النسخ بخبر الواحد لأنهم نسخوا القبلة بخبر الواحد ، لأنه روي أن أهل قباء كانوا في الصلاة
__________________
التزوج بغير صداق ، باختلاف في راوي الخبر وفي المسئول عنه ، فالحديث روي مرة عن معقل بن سنان الأشجعي ، أو رجل من أشجع ، أو أناس من أشجع ، أو معقل بن يسار ، أو بعض أشجع ، أو أبي سنان ، وجميعهم نسبوا الحديث لابن مسعود وانه كان المسئول عنه ، إلا البيهقي فإنه روى عن طريق سعيد بن منصور عن هيثم عن أبي إسحاق الكوفي عن فريدة بن جابر «أن عليا رضي الله عنه قال : لا يقبل قول أعرابي من أشجع على كتاب الله» ، ولفظ الحديث عندهم هو : علقمة عن ابن مسعود «أنه سئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها صداقا ، ولم يدخل بها حتى مات ، فقال ابن مسعود : لها مثل صداق نسائها ، لا وكس ولا شطط ، وعليها العدة ولها الميراث ، فقام معقل بن سنان الأشجعي فقال : قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في بردع بنت واشق امرأة منا مثل ما قضيت ، ففرح بها ابن مسعود». انظر : «النسائي ٦ : ١٢١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٦٠٩ رقم ١٨٩١ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٥٠ باب ٤٤ ، السنن الكبرى ٧ : ٢٤٧».
(١) هذا القول لأبي إسحاق الشيرازي : انظر : «التبصرة : ٣٠٨ ، شرح اللمع ٢ : ٥٩٨».
(٢) السبر : استخراج كنه الأمر ، وذلك بطريق التقسيم وحصر الأمر في قسم واحد.