فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(١)
قالوا : أوجب علينا التوقف عند خبر الفاسق ، فينبغي أن يكون خبر العدل بخلافه وأن يجب العمل به ، وترك التوقف فيه (٢).
وهذا أيضا لا دلالة فيه ، لأن هذا أولا استدلال بدليل (٣) الخطاب (٤) ، ومن أصحابنا (٥) من قال : إن دليل الخطاب ليس بدليل ، فعلى هذا المذهب لا يمكن
__________________
(١) الحجرات : ٦.
(٢) انظر : «التبصرة : ٣٠٤ و ٣١٢ ، شرح اللمع ٢ : ٥٨٨ ـ ٥٨٧ و ٦٠٤ ، الذريعة ٢ : ٥٦ ، المعتمد ٢ : ١١٦» فإن جميع القائلين بحجية الخبر الواحد استدلوا بظهور وبدليل الخطاب في هذه الآية الشريفة على أن خبر غير الفاسق حجة ، ما عدا ابن حزم الأندلسي فإنه ذهب (الأحكام : ١ ـ ١٠٦ و ٥ ـ ١١٦) إلى حجية خبر غير الفاسق ، إلا أنه لم يتمسك بظاهر الآية للدلالة على لزوم خبر الواحد ، بل استدل بها مع مقدمتين ، يقول : «وقد توهم من لا يعلم أنا إنما أوجبنا قبول خبر العدل من قوله تعالى : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) فقط.
وقد أغفل من تأول علينا ذلك ، ولو لم تكن إلا هذه الآية وحدها لما كان فيها ما يدل على قبول خبر العدل ولا على المنع من قبوله ، بل إنما منع منها من قبول خبر الفاسق فقط وكان يبقى خبر العدل موقوفا على دليله ، ولكن لما استفاضت هذه الآية التي فيها المنع من قبول خبر الفاسق إلى الآية التي فيها قبول نذارة النافر للتفقه ، صارتا مقدمتين أنتجتا قبول خبر الواحد العدل دون الفاسق بضرورة البرهان».
(٣) دليل الخطاب مفهوم المخالفة وهو فيما نحن فيه مفهوم الصفة ، وربما يقال إنه مفهوم الشرط بأن يقال مفهومه : إن جاءكم عادل بنبإ فلا تتبينوا.
(٤) وصف الشيخ المفيد (ره) دليل الخطاب (التذكرة : ٣٩) بقوله : «هو أن الحكم إذا علق ببعض صفات المسمى في الذّكر ، دل ذلك على أن ما خالفه في الصفة مما هو داخل تحت الاسم بخلاف ذلك الحكم ، إلا أن يقوم دليل على وفاقه فيه ، كقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : (في سائمة الإبل الزكاة) فتخصيصه السائمة بالزكاة دليل على أن العاملة ليس فيها زكاة».
(٥) وهو الشريف المرتضى (ره) حيث أنكر دليلية دليل الخطاب إلا بمقدار ما يقتضيه لفظ الخطاب ، يقول :
«ومما يدل ابتداء على بطلان دليل الخطاب أن اللفظ إنما يدل على ما يتناوله ، أو على ما يكون بان يتناوله أولى ، فأما أن يدل على ما لم يتناوله ولا هو بالتناول أولى فمحال» [الذريعة ١ : ٣٩٩ ـ ٣٩٨ و ٢ : ٥٩] وهذا المذهب مختار أبي على الجبائي وابنه أبي هاشم ، وأكثر المتكلمين ـ إلا من شذ منهم ـ وأبي العباس بن سريج ، وجماعة من شيوخ أصحاب الشافعي ، كأبي بكر الفارسي ، وأبي حامد المروزي ، والقفال ، وغيرهما ، وجمهور الظاهريين ، وطوائف من المالكيين ، فإن جميعهم يعتقدون أن الخطاب إذا ورد وكان معلقا بصفة ما