علم أن له عليلا ويخبر بموته ، إنا نعلم عند خبره أنه ميت ، فدعوى (١) لا برهان عليها ، لأن مثل ذلك قد يفعله العقلاء ، لأغراض كثيرة ، ثم ينكشف الأمر عن خلاف ذلك ، فمن أين أن الّذي يعتقده عند خبره علم لا يجوز التشكك فيه؟
فأما من قال : إنه لو لم يوجب العلم لما صح أن يتعبد (٢) به ، لأن العبادة لا تصح إلا بما نعلمه دون ما لا نعلمه. فإنما (٣) كان يدل لو ثبت أن في العقل لا يجوز العبادة بما طريقه الظن ، ثم يثبت أنه تعبد به ، ولم يثبت لهذا القائل واحد من الأمرين ، فلا يصح التعلق به.
فأما تعلقه بقوله : (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٤).
فهو لا يدل على إيجاب خبر الواحد العلم ، لأن معنى الآية النهي عن الكذب على الله تعالى ، وليس من عمل بخبر الواحد يضيف إليه أن الله تعالى قد قال ما تضمنه الخبر ، وإنما يضيف إليه أنه تعبده بالعمل بما تضمنه الخبر ، وذلك معلوم عنده بدليل دل عليه ، فيسقط بجميع ذلك هذا المذهب.
ولو كان خبر الواحد يوجب العلم ، لما كان اختلاف الناس في قبوله وشكهم في صحته صحيحا. ولا صح التعارض في الأخبار (٥)* ، ولا احتيج إلى اعتبار صفات
__________________
(١) في الأصل : دعوى.
(٢) نسب الشريف المرتضى هذا القول إلى بعض الناس ولم يسمهم وقال : «كان النظام يذهب إلى أن العلم يجوز أن يحصل عنده وإن لم يجب ، لأنه يتبع قرائن وأسبابا ويجعل العمل تابعا للعلم ، فمهما لم يحصل علم فلا عمل. وقال بعضهم : إن خبر الواحد يوجب العلم الظاهر.» [الذريعة ٢ : ٥١٧] وهذا المذهب مختار ابن حزم الأندلسي حيث نسبه إلى جماعة منهم مالك بن أنس ، وأحمد بن إسحاق المعروف بابن خويذ. انظر : «الأحكام ١ : ١١٢ ، المعتمد ٢ : ١٠٦ و ١٢٣ ، التبصرة : ٣٠٣».
(٣) في الأصل : إنما.
(٤) البقرة : ١٦٩.
(٥) * بأن يكون صدق أحد الخبرين مستلزما لكذب الآخر لا أن يكون مخبريهما نقيضين ، لجواز ذلك في أخبار الأئمة عليهمالسلام للتقية ونحوه.