إطاعته ثمّ ننقل الكلام إلى هذا الأمر وهلمّ جرّا حتّى يتسلسل.
ويتفرّع على هذه الضابطة أن يكون حرمة التجرّي شرعيّة لعدم لزوم التسلسل على تقديرها لأنّ حكم العقل حينئذ أنّه لا تعص بالتجرّي لا انّه تتجرّى (١) بالتجرّي.
والجواب أمّا أوّلا : فإنّه يمكن أن يكون في الأمر بالإطاعة بسائر الواجبات مصلحة يقتضي ذلك الأمر ، بخلاف الأمر بأوامر الإطاعة فلم يكن له تلك المصلحة ، ويكون الأمر الاول شرعيّا دون غيره حتّى يتسلسل. نعم من لا يدرك تلك المصلحة يرى (٢) الامر بالإطاعة في سائر المراتب متساوية فيما نعقله إلّا أنّا [لا] نعلم بعدمها أيضا ولزوم التسلسل متوقّف على العلم بعدمها ، وأنّ الإطاعة وإطاعة الإطاعة وهكذا إلى ما لا يتناهى متساوية في نفس الأمر بحيث لو كان إحدى مراتبها واجبا شرعيّا كان المراتب الباقية أيضا كذلك ولم يعلم ذلك.
وأمّا ثانيا : فإنّ هذا التسلسل على تقدير لزومه ليس من التسلسل المحال ، إذ يمكن للآمر تصوّر مراتب الإطاعة الطوليّة إلى ما لا يتناهى ، والأمر بها بإنشاء واحد ، ويمكن للمأمور أيضا امتثال جميع هذه المراتب الغير المتناهية بفعل واحد ، فأين المحال؟ والسرّ فيه أنّ التسلسل المحال إنّما هو في الامور المتأصّلة الخارجيّة لا في الامور الاعتباريّة الانتزاعيّة مثل عنوان الإطاعة والعصيان ونحوهما.
الثالث : أنّ أمر الشارع بوجوب الإطاعة موافق للأمر العقلي بوجوبها بقاعدة الملازمة ، ولا شكّ أنّ الأمر العقلي إرشاديّ فكذلك الشرعي لا يكون إلّا إرشاديّا ، ضرورة أنّ الملازمة بين حكم العقل والشرع تقتضي اتّحاد كيفيّة الحكم أيضا كأصل الحكم ، لكن هذا إنّما يتمّ لو استفدنا أمر الشارع بالإطاعة من قاعدة الملازمة ، وأمّا إذا استفدناها من الأوامر الواردة في الشرع لفظا مثل قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(٣) فيمكن كونها مولويّة.
__________________
(١) لا انّه لا تتجرّ بالتجرّي. ظ
(٢) في الاصل : ويرى.
(٣) النساء : ٥٩.