لاحتمال أن يكون ما سقط منه مخصّصا لعامّ أو مقيّدا لمطلق أو قرينة لمجاز أو ناسخا لحكم ، ومع الوصف المذكور لا يبقى وثوق بكون الظواهر التي بأيدينا مرادة للشارع ، ولا يكون بناء العرف والعقلاء اعتمادهم على مثل تلك الظواهر ، ألا ترى أنّه لو كتب المولى إلى عبيده كتابا يعمل به ثمّ بعثه إليه ، وعلم العبد بسقوط بعض الكتاب وتغيير بعض آخر لعوارض ، يتوقّف عن العمل بالباقي بعد احتمال كون الساقط دخيلا في فهم المراد من الباقي ، وهذا واضح ، وليس يلزم أن يعلم إجمالا بوقوع التحريف في خصوص الظواهر أو خصوص الآيات المتعلّقة بالأحكام الفرعيّة حتّى يوجب التوقّف ، بل يكفي كونها من أطراف الشبهة واحتمالها ، وبالجملة دليل حجّية الظواهر بناء العقلاء وهو في مثل ما نحن فيه ممنوع ، بل ندّعى العلم بأنّ بناءهم في نظير المقام التوقّف وعدم الاعتماد على الظواهر الكذائية ، نعم لو تمسّك المتمسّك في حجّية ظاهر الكتاب بغير بناء العقلاء من الإجماع وأخبار العرض على الكتاب وخبر الثقلين ونحوها ممّا مرّ في المتن أمكن القول بحجّية الظواهر الّتي بين أيدينا لأنّها دلّت على حجّية هذا الكتاب الموجود ، لكن قد عرفت سابقا ضعف هذه الوجوه ، وأنّ العمدة من أدلّة الحجّية بناء العقلاء وحاله ما عرفت.
وممّا ذكرنا ظهر ما في قوله : لعدم العلم الإجمالي باختلاف الظواهر.
أقول : إنّ كونها من أطراف الاحتمال كاف في سقوطها عن الحجّية.
ثمّ قوله : مع أنّه لو علم لكان من قبيل الشبهة الغير المحصورة.
أقول : إنّ ذلك دعوى غريبة كيف وقد ورد في بعض أخبار الباب أنه سئل أمير المؤمنين (عليهالسلام) عن الربط في قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ)(١) أجاب بأنّه سقط هنا أكثر من ثلث القرآن (٢) ، وحينئذ فنسبة الساقط إلى مجموع القرآن نسبة الواحد إلى الثلاثة ، فكيف يكون شبهة
__________________
(١) النساء : ٣
(٢) هذه الرواية مما يشهد متنها على عدم صحّتها