التكليف ، بل صرّح بالبراءة العقليّة في مقام العمل في أوّل كلامه ، ولم
يورد عليه في آخر كلامه كما أورد على سائر أدلّته.
وثانيهما ما ذكره في آخر هذا المبحث الذي نحن فيه ، ومحصّله أنّ
الرجوع إلى أصالة الإباحة وترك الالتزام بواحد من الحكمين ، وإن لم يستلزم
المخالفة العمليّة دفعة في واقعة واحدة ، إلّا أنّه يستلزمها تدريجا في واقعتين أو
أزيد ، والعقل كما يحكم بقبح المخالفة دفعة عن قصد وعلم ، كذلك يحكم بحرمة
المخالفة في واقعتين تدريجا عن قصد إليهما من غير تقييد لحكم العقل بالالتزام بالفعل
أو الترك ، إذ في عدمه ارتكاب لما هو مبغوض للشارع تعيينا عن قصد ، وتعدّد الواقعة
إنّما يجدي مع الإذن من الشارع عند كلّ واقعة كما في تخيير الشارع للمقلّد بين
قولي المجتهدين تخييرا مستمرّا يجوز معه الرجوع عن أحدهما إلى الآخر.
وجوابه أنه يكفي في إذن الشارع عند كلّ واقعة أدلّة البراءة
والإباحة ، وما ذكره من حكم العقل إنّما يتمّ لو كان التكليف بكلتا الواقعتين
منجّزا في [زمان] واحد ولو على نحو التعليق ، ومفروض المسألة أعمّ من ذلك ، وقد
نبّه المصنّف على ذلك في الشبهة المحصورة فيما لو كان أطراف الشبهة تدريجيّ الحصول
وكان زمان ثبوت التكليف للمتأخّر متأخّرا عن زمان ثبوت التكليف للطرف المتقدّم
الحصول ، كما لو علم بوجوب صوم أحد الأيّام ، فإنّه لا يجب الاحتياط إلّا إذا ثبت
التكليف بالصوم الواجب الواقعيّ في أوّل الأزمنة.
ثمّ ما ذكره من
ثبوت إذن الشارع في تخيير المقلّد بين قولي المجتهدين تخييرا مستمرّا عهدته عليه
فإنّ دليل التخيير إن كان مثل قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فدلالته على التخيير محلّ تأمل فضلا عن التخيير
الاستمراري ، لأنّ مفاد الآية لا يزيد على رجوع غير العالم إلى العالم في الجملة ،
وليس ناظرا إلى
__________________