أمّا المقدّمة الاولى فقد مرّ بيانه مستوفى في أوّل الكتاب ، وأنّه يمكن المنع عن العمل بالقطع في مقام التنجّز خلافا للمصنّف (رحمهالله) للزوم التناقض وغيره ، وقد سبق ما فيه فتذكّر.
وأمّا المقدّمة الثانية فإنّهم استدلّوا عليها بوجهين : الأوّل ما أشار إليه المصنّف (رحمهالله) أوّلا بقوله : لكثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها فلا يمكن الركون إلى شيء منها ، أمّا كثرة وقوع الاشتباه والغلط فيها فمن الواضحات ، إذ ما من مسألة ـ من المسائل العقليّة الغير الضروريّة غالبا إلّا وفيه أقوال من أهل المعقول الذين هم ضرب (كذا) فنّهم وهم في حال كمال عقولهم ، ولا شكّ أنّ سوى واحد منهم على الخطاء ، بل يحتمل أن يكون الكلّ على الخطاء ، وأنّ الحقّ مخالف لرأي الجميع. وأمّا أنّه لا يمكن الركون إليه مع هذا الوصف فواضح أيضا ، لعدم كونه طريقا إلى الواقع حقيقة والحال هذه ، وما يرى أنّه طريق وكاشف عن الواقع مجرّد خيال لا أصل له ، وإلّا لما أخطاء بهذه المرتبة من الكثرة.
فإن قلت : إنّ القاطع لا يحتمل في نفسه خطاء قطعه وإلّا لزال قطعه. نعم ولكن الفقيه كيف يفتي بوجوب متابعة القطع الذي يعلم أكثرية خطائه ، ويوقع المقلّدين في هذه الخطايا الكثيرة ، بل القاطع أيضا إذا لاحظ كثرة الخطاء في القطع العقلي بهذه المثابة لتوقّف عن الاعتماد عليه ، وإن لم يحتمل في كلّ قطع بخصوصه خلاف ما قطع به ، واعتذر بأنّ سلوك نوع هذا الطريق كثير الخطر ، فيترك متابعة قطعه الخاصّ لحماية الحمى. هذا غاية توجيه الاستدلال.
وقد يقال : إنّ كلام الأخباري هذا واستدلالاته يعمّ مسألة الملازمة أيضا ، ويريد إثبات كون العقل معزولا في استنباط الأحكام الشرعيّة ، بل مطلق علوم النظريّة. أمّا عدم جواز الاعتماد على القطع العقلي بالحكم الشرعي بمعنى عدم وجوب متابعته في تنجّز التكليف وإن كان الحكم ثابتا في نفس الأمر فقد مرّ بيان إمكانه وتقرير الدليل عليه ، وأمّا عدم جواز الاعتماد بمعنى عدم جواز إثبات الحكم الشرعي به الذي