عنه من قبيل التكليف بما لا يطاق ، كان يقول قطعك هذا ليس بحجّة ، وهو في
قوّة أن يقول أيّها القاطع لا تقطع أو لا تعتقد بقطعك ، اللهم إلّا أن يكون مراده
تعتقد بخلاف قطعك أي ابن في قلبك على خطاء قطعك بناء لا أصل له (كذا) نظير التشريع
في عكسه ، فكما أنّ المشرّع يبنى في قلبه أنّ هذا الذي ليس من الشرع قطعا منه ،
كذلك هذا القاطع يبنى على خطاء قطعه تحكّما من نفسه ، فهذا المعنى أيضا أمر معقول
والظاهر أنّه لا كلام في ذلك لأحد ، ولا ربط له لما نحن بصدد تحريره من النزاع.
وأمّا المنع عن القطع العقلي الفعلي فيما يتعلّق بالفروع الذي [يمكن] إرجاعه إلى
المنع عن متابعته في مقام العمل بمؤدّاه ـ وهو العمدة في هذا الباب والقدر
المتيقّن من قصدهم في هذا النزاع ـ فهذا هو الذي قد أصرّ على عدم معقوليّته في
أوّل الرسالة ، للزوم التناقض في حكم الشارع ، وأوردنا عليه هناك بأنّه معقول ،
بمعنى جواز الردع عنه في مقام التنجّز والعمل على طبقه ، ومخالفة الأخباريّين في
المقام محمول على هذا الوجه ، بشاهد أنّهم يستدلّون على مدّعاهم ببعض الآيات
والأخبار الدالّة على أنّ فعليّة العقاب موقوف على بعث الرسل حتّى يكون الحكم
بدلالته ودلالة وليّ الله.
ثمّ إنّ الظاهر
أنّ مخالفة الأخباري في المقام في القطع الفعلي كما يفصح عنه ظاهر كلماتهم ، لا
القطع الشأني بمعنى صورة القياس الذي من شأنه إفادة القطع لو خلّي وطبعه وإن لم
يحصل فلا لمانع ، لكن الظاهر بل المتيقّن أنّ مراد المحدّث الجزائري (ره) وصاحب
الحدائق (رحمهالله) في مقام فرض التعارض بين القطعين على ما سيأتى نقل
كلامهما في المتن ، ليس إلّا القطع الشأني ، وإلّا فكيف ينسب إليهما فرض حصول
القطع الفعلي على طرفي النقيض ، مع ما هما عليه من الفضل والعقل وجودة الفهم ، ولا
يبعد أن يكون هذا مراد الجميع فيهون الخطب ، ويرجع النزاع لفظيّا.
وكيفما كان
ثبوت مدعى الأخباريّين يتوقّف على مقدّمتين : أحدهما إمكان عدم حجّية القطع
الكذائي ، وثانيهما ثبوت المنع بالدليل.