من حيث الاستهزاء بالشرع وأحكامه لا من جهة التجرّي كما لا يخفى.
٦٦ ـ قوله : وقد قال بعض العامّة يحكم بفسق المتعاطي ذلك. (ص ١٤)
أقول : ما ذكره ذلك البعض في وجه الفسق من دلالته على عدم المبالات بالمعاصي غير تامّ ، إذ بمجرّد ذلك لا يرتفع العدالة ، لأنّها إن كانت عبارة عن الاجتناب عن المعاصي فعلا فلم يتحقّق المعصية لعدم حرمة التجرّي بالفرض كما يدلّ عليه تعليله ، وإن كانت عبارة عن الاجتناب مع الملكة ، لأنّ فعل الكبيرة لا ينافي وجود الملكة فضلا عن التجرّي الغير المحرّم. نعم لو أصرّ على التجرّي واتّفق عدم المصادفة في الكلّ فإنّ ذلك كاشف عن عدم الملكة أو زوالها فيحكم بعدم العدالة حينئذ.
والحاصل أنّ الحكم بفسق المتجرّي مرّة أو مرّتين على تقدير عدم حرمة التجرّي لا وجه له ، وكذلك الحكم بفسق تارك الاحتياط في الموارد التي يجب فيه الاحتياط ليس بصحيح ، نظير المتجرّي إن لم يعلم بمخالفة الواقع.
بيان ذلك أنّ القطع وجميع ما يقوم مقامه من الطرق والاصول مشتركة في أنّ من خالف الواقع أيضا تبيّن أنه معصية وإن تبيّن أنّه لم يخالف الحكم الواقعي فهو متجرّ ، وإن بقي مشكوكا يحكم أيضا بأنّه معصية ظاهرا ويحكم بفسق مرتكبه إن كانت كبيرة ، سوى أصل الاحتياط ، فإنّ من خالفه ولم يعلم أنّه خالف الحكم الواقعي أم لا لم يحكم بكونه عاصيا وفاسقا ، والسرّ في ذلك عدم العلم بتحقّق المخالفة منه ، ولعلّ ما ارتكبه لم يكن حراما واقعا وإن كان مأمورا بالاجتناب بمقتضى الاحتياط اللازم مراعاته ، لكن لمّا كان الأمر بالاحتياط شرعا أو عقلا إرشاديّا قد لوحظ فيه المحافظة على المحرّم الواقعي في الدين لا شرعيّا لوحظ فيه مراعات الاحتمال تعبّدا لم يلزم من مخالفته سوى ما يترتّب على مخالفة الواقع إن اتّفق ، والمفروض عدم العلم بمخالفة الحكم الواقعي ، ويتفرّع عليه عدم العلم بالعصيان والفسق.