لأجلها قام العقلاء بتدوينها وعدوها شيئا واحدا فهي في عين تكثرها؟ واحد بالاعتبار ، ولأجله تجمع في كتاب أو رسالة لكي يبحث عنه في الجوامع وليس موجودا واحدا مشخصا وراء الاعتبار فيكون ذا صورة ومادة أو جنس وفصل حتى يتقوم مهيته بالوجود الحقيقي.
ثم ان ما اشتهر في الألسن وتلقاه الاعلام بالقبول من ان قضايا العلوم ليست إلا قضايا حقيقية وان نسبة موضوع المسائل إلى موضوع العلم كنسبة الطبيعي إلى افراده (انما يصح) في بعض منها كالعلوم العقلية والفقه وأصوله فان غالب قضاياها حقيقية أو كالحقيقية والنسبة ما ذكروه في جملة من مسائلها دون جميع العلوم ، إذ قد يكون قضايا بعض العلوم قضايا جزئية كالجغرافيا وأكثر مسائل علم الهيئة والتاريخ وتكون النسبة بين موضوع المسائل وما قيل انه موضوع العلم نسبة الجزء إلى الكل ، وربما يتفق الاتحاد بين الموضوعين كالعرفان فان موضوعه هو الله جل اسمه وموضوع جميع مسائله أيضا هو سبحانه وليسا مختلفين بالطبيعي وفرده والكل وجزئه.
وأسوأ حالا من هذا ما اشتهر من ان موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتيّة سواء فسرت بما نقل عن القدماء أو بما عن بعض المتأخرين بأنها ما لا يكون لها واسطة في العروض ، إذ هو ينتقض بعلمي الجغرافيا والهيئة وما شابههما مما يكون النسبة بين الموضوعين نسبة الكل إلى اجزائه فان عوارض موضوعات مسائلها لا تصير من العوارض الذاتيّة لموضوع العلم على التفسيرين إلّا بنحو من التكلف ، ضرورة ان عارض الجزء وخاصته عارض لنفس الجزء الّذي هو قسمة من الكل ومتشعب عنه ، لا لنفس الكل الّذي تركب منه ومن غيره! اللهم إذا تشبث القائل بالمجاز في الإسناد!
واعطف نظرك إلى علم الفقه فتراه ذا مسائل ومباد مع ان البحث عنها ليس بحثا عن الاعراض فضلا عن كونها أعراضا ذاتية ، إذ الأحكام الخمسة ليست من العوارض بالمعنى الفلسفي «أولا» اللهم إلّا ان تعمم الاعراض للمحمولات الاعتبارية بضرب من التأويل ، ولو سلم كونها أعراضا في حد نفسها فليست أعراضا ذاتية لموضوعات المسائل «ثانيا» إذ الصلاة بوجودها الخارجي لا تكاد تتصف بالوجوب لأن الخارج أعني إتيان المأمور به ظرف السقوط بوجه لا العروض ، ولا بوجودها الذهني لظهور عدم كونه هو المأمور به وعدم كون المكلف قادرا