التأكيد أو عقبه بالوعد والوعيد كما انه يدرك من خلاله فتور الإرادة وضعفها ، إذا قارنه بالترخيص في الترك أو جعل جزاء الترك امرا طفيفا يرجع إلى حال العبد في دنياه. وغير ذلك مما يلوح منه الوجوب الكاشف عن شدة الإرادة بعرضها العريض ، أو الاستحباب الكاشف عن ضعفها كذلك.
ثم ان البعث بالهيئة ليس باعثا بالذات ومحركا بالحقيقة ، وإلّا لما انفك باعثيته عنه وما وجد في أديم الأرض عاص ولا طاغ ، ولما كان هناك ثواب لمن سلك في ربقة الإطاعة ، بل هي باعث إيقاعي اعتباري ، والباعث بالذات هو الملكات النفسانيّة والصفات الفاضلة كعرفان مقام المولى ولياقته وأهليته للعبادة ، كما في عبادة الأولياء ، وكحبه لمولاه أو لخوفه من ناره وسلاسله ، وطمعه في رضوانه وجنانه وغيرها ، مما تصير داعية للفاعل ، وانما الأمر محقق لموضوع الإطاعة وموضح للمراد.
«الرابعة» ان كل ذي مبدأ يكشف عن تحقق مباديها المسانخة له ، فالفعل الاضطراري يكشف بوجوده الخارجي عند العقل ، عن تحقق مبادئ الاضطرار ، كما ان الفعل الاختياري له كاشفية عن تحقق مباديه ، وليس هذا إلّا دلالة عقلية محضة ككاشفية المعلول عن علته بوجه ، «فاذن» الأمر والبعث بآلة الهيئة بما هو فعل اختياري كاشف عن الإرادة المتعلقة به ، كما انه بما هو بعث نحو المبعوث إليه ، كاشف عن مطلوبيته ، كل ذلك ليست دلالة لفظية وضعية بل عقلية محضة.
إذا عرفت ما مهدناه فاعلم انه قد وقع الخلاف في ان هيئة الأمر هل تدل على الوجوب أولا ، وعلى الأول هل الدلالة لأجل الوضع أو بسبب الانصراف ، أو لكونه مقتضى مقدمات الحكمة ، فيه وجوه بل أقوال ، و «هناك» احتمال آخر وان شئت فاجعله رابع الأقوال وهو انها كاشفة عن لإرادة الحتمية الوجوبية كشفا عقلائيا ككاشفية الأمارات العقلائية ، ويمكن ان يقال انها وان لم تكن كاشفة عن الإرادة الحتمية إلّا انها حجة بحكم العقل والعقلاء على الوجوب حتى يظهر خلافه ، وهذا خامس الوجوه.
«فنقول» اما الدلالة الوضعيّة فان أريد منها ان البعث متقيد بالإرادة الحتمية فهو ظاهر البطلان ، إذ قد أشرنا ان الإنشائيات ومنها البعث بالهيئة معان إيجادية ، لا يحكى عن مطابق خارجي لها بل توجد بشراشر شئونها في ظرف الإنشاء فاذن الهيئة موضوعة