فصل
لا نعلم خلافا بين أهل العلم في السجدة الأولى من هذه السورة ، واختلفوا في الثانية ؛ فذهب عمر وابنه وعمار وأبو الدرداء وابن عباس في آخرين : إلى أنها سجدة وقالوا : فضّلت على سائر السور بسجدتين (١) ، وإليه ذهب إمامنا والشافعي (٢).
واحتج القائلون بهذا بما روي عن عقبة بن عامر قال : «قلت : يا رسول الله! في الحج سجدتان؟ قال : نعم ، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما» (٣).
وذهب الحسن وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وأبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست بسجدة. وعلل بعضهم باقتران الركوع بها ، فدل على أنها سجدة صلاة ، لا سجدة تلاوة.
قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) وحمل أكثر المفسرين الجهاد هاهنا على جميع أفعال الطاعة ، وقالوا : حق الجهاد : إخلاص العمل من شوائب الرياء.
وقال الضحاك : هو جهاد الكفار (٤) ، وهو مندرج في القول الأول.
وقال ابن المبارك : هو جهاد النفس والهوى (٥). ولعمري إنه أكبر الجهاد وأشقّه.
__________________
(١) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (١ / ٣٧٢ ح ٤٢٨٧) عن ابن عمر عن عمر : «أنه سجد في الحج سجدتين ثم قال : إن هذه السورة فضلت على سائر السور بسجدتين».
(٢) انظر : زاد المسير (٥ / ٤٥٤).
(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٥٨ ح ١٤٠٢) ، والترمذي (٢ / ٤٧٠ ح ٥٧٨).
(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٨١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٤٥٥).
(٥) مثل السابق.