قلت : قد سمّيت الصفة أو القصة الرائعة المتلقّاة بالاستحسان والاستغراب : مثلا ؛ تشبيها لها ببعض الأمثال المسيّرة ، لكونها مستحسنة مستغربة عندهم.
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ) وقرأ يعقوب : " يدعون" بالياء (١). ووجه القراءتين ظاهر.
والمعنى : أن الأوثان الذين تدعونهم آلهة (مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً) الذي هو أقلّ مخلوقات الله وأحقرها.
قوله تعالى : (وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ) في محل الحال (٢) ، كأنه قيل : محال أن يخلقوا الذباب مشروطا عليهم اجتماعهم لخلقه وتعاونهم عليه.
ثم بالغ في وصفهم بالعجز فقال : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً) أي : وإن يسلبهم الذباب الذي هو أحقر المخلوقات وأضعفها من الآلهة التي عبدوها شيئا من الأشياء (لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ) أي : لا يستخلصوه منه ، فكيف اتخذوها آلهة. وهي النهاية في العجز المنافي للإلهية.
قال ابن عباس : كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيجفّ ، فيأتي الذباب فيختلسه فلا [يقدرون أن يستردّوه](٣) من الذباب ويستنقذوه منه (٤).
وقال السدي : كانوا يجعلون لآلهتهم طعاما فيقع الذباب عليه فيأكل منه (٥).
(ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) أي : ضعف الصنم والذباب ، فهو على معنى
__________________
(١) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٣١٧) ، والنشر (٢ / ٣٢٧).
(٢) انظر : الدر المصون (٥ / ١٦٩).
(٣) في الأصل : يقدون أن يستردونه. والتصويب من ب.
(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٣ / ٢٨٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٥ / ٤٥٢).
(٥) مثل السابق.