قال صاحب الكشاف (١) : فإن قلت : فما يصنع بقوله : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) بما فيه من الاعتراضين :
أحدهما أن السجود على المعنى الذي فسرته به ، ـ [يعني](٢) من التسخير والخضوع لخالقها ـ لا يسجده بعض الناس دون بعض.
الثاني : أن السجود قد أسند على سبيل العموم إلى من في الأرض من الإنس والجن أولا ، فإسناده إلى كثير منهم آخرا (٣) مناقضة؟
قلت : لا أنظم كثيرا في المفردات [المتناسقة](٤) الداخلة تحت حكم الفعل ، وإنما أرفعه بفعل مضمر يدلّ عليه قوله : " يسجد" ، أي : ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة ، ولم أفسر [يسجد](٥) الذي هو ظاهر بمعنى الطاعة والعبادة في حق هؤلاء ؛ لأن اللفظ الواحد لا يصحّ استعماله في حالة واحدة على معنيين مختلفين ، أو أرفعه على الابتداء ، والخبر محذوف وهو مثاب ؛ لأن خبر مقابله يدل عليه ، وهو قوله : (حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) ، ويجوز أن تجعل" من الناس" خبرا له ، أي : من الناس الذين هم الناس على الحقيقة ، وهم الصالحون والمتقون. ويجوز أن يبالغ في تكثير المحقوقين بالعذاب ، فيعطف" كثير" على" كثير" ، ثم يخبر عنهم ب" حق عليهم العذاب" ، كأنه قيل : وكثير وكثير من الناس حق عليهم العذاب.
__________________
(١) الكشاف (٣ / ١٤٩ ـ ١٥٠).
(٢) زيادة من ب.
(٣) في ب : أجزاء.
(٤) في الأصل وب : المناسقة. والتصويب من الكشاف (٣ / ١٥٠).
(٥) في الأصل : بسجود. والتصويب من ب ، ومن الكشاف ، الموضع السابق.