(وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) بنقص المكيال والميزان. وقد سبق ذكر «العثو» في البقرة.
وهذا إشارة إلى أن نقص المكيال والميزان والبخس من العثو في الأرض ، وهو شدة الفساد. والتقدير : لا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم.
قوله تعالى : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) قال ابن عباس : يعني : ما أبقى الله تعالى لكم من الحلال بعد تمام الكيل والوزن خير من البخس والتطفيف (١).
وقال مجاهد : (بَقِيَّتُ اللهِ) : طاعة الله خير لكم (٢) ، وهذا كقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) [الكهف : ٤٦].
وقرأ الحسن : «تقية الله» بالتاء المعجمة من فوق بنقطتين (٣).
قوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إعلام بأن الطاعة ـ على قول مجاهد ـ ، والتقوى ـ على قراءة الحسن ـ لا تنفع ولا تجدي خيرا إلا بشرط الإيمان.
فإن قيل : فما معنى اشتراطه ـ على قول ابن عباس ـ مع العلم أن الحلال خير لهم ، ولو كانوا كفارا ؛ لما يستلزم من خلاصهم من إثم الحرام؟
قلت : شرط الإيمان في كونه خيرا لهم ؛ لأنهم به يعرفون كونه خيرا لهم ، أو لأن بالإيمان تمام الخير ، وهو الفوز بالجنة ، والنجاة من النار.
ويجوز أن يكون المعنى : إن كنتم مصدقين بما أقول لكم.
__________________
(١) الطبري (١٢ / ١٠٠) ، والوسيط (٢ / ٥٨٦) ، وزاد المسير (٤ / ١٤٨).
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٠٠) ، وابن أبي حاتم (٦ / ٢٠٧٢) ، ومجاهد (ص : ٣٠٨). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤٦٦) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٥٩).