(فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا) أي : استمتعوا بالعيش (فِي دارِكُمْ) أي : في بلدكم ، وتسمى البلاد : الديار ؛ لأنه يدار فيها ، ومنها ديار بكر (١) ، لبلادهم.
وقيل : (فِي دارِكُمْ) : في دار الدنيا.
(ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) أتى غير كذب ، فناب مناب المصدر ، كالصدوقة في معنى الصدق.
وقيل : المعنى : غير مكذوب فيه ، فاتسع إلى الظرف بحذف الحرف وإجرائه مجرى المفعول به ، كقولك : يوم مشهود.
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) إن قيل : لم عطف هذا بالفاء ، وفي قصة لوط ، وعطف في قصة هود وشعيب بالواو؟
قلت : لأن ما قبل الفاء في القصتين اقتضى تعليقه به وتعقيبه عليه ، وهو قوله هنا : (فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) ... (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) ، وكذا في قصة لوط قال : (إِنَ) موعدكم (الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ* فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) بخلاف قصة هود فإنه لم يتقدم العطف ما يوجب اتصاله وتعلقه بما قبله ، وإنما جاءت جامعة بين الخبرين ، وكذلك في قصة شعيب.
فإن قيل : أليس يقول في قصة شعيب : (اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) إلى قوله : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)؟
قلت : لم يتوعدهم بارتقاب العذاب كما في قصتي هود ولوط ، وإنما دعاهم إلى
__________________
(١) ديار بكر : هي بلاد واسعة تنسب إلى بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى ابن جديلة بن سعد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. وحدّها ما غرب من دجلة على بلاد الجبل المطل على نصيبين إلى دجلة (معجم البلدان ٢ / ٤٩٤).