بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ).
(مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً) احتالوا على ضرّي أنتم وآلهتكم ، (ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) أي : لا تمهلون ، وهذا شبيه بقول نوح عليهالسلام : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) [يونس : ٧١] ، وقول نبينا صلىاللهعليهوسلم : (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ) [المرسلات : ٣٩].
وهذا من أعظم آيات الرسل وأعجبها أن يواجه الرجل الواحد منهم بهذا الكلام وأمثاله أمة عظيمة كثيرة العدد والعدد ، شديدة الشكيمة في عداوته ، حرصا على استئصال شأفته ، وإسكان نأمته ، عطاشا إلى إراقة دمه ، ما ذاك إلا لرسوخ قدمهم في التوكل والاعتماد على الله ، وقلة المبالاة بحزب الشيطان ، ألا ترى إلى قوله : (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) فهي في قبضته وتحت قهره وسلطانه ، والعرب إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع قالوا : ما ناصيته إلا بيد فلان ، أي : أنه مطيع له يصرّفه كيف شاء ؛ لأن من أخذ بناصية شخص فقد ملكه ، فصار تحت قهره وفي قبضته ، (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي : طريق واضح من العدل.
قال الزجاج (١) وابن الأنباري (٢) : المعنى : أنه وإن كان قادرا عليهم فهو لا يظلمهم ، ولا يلحقهم بقدرته عليهم إلا ما يوجب الحقّ وقوعه بهم.
قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) ذهب مقاتل (٣) في جماعة من العلماء إلى أنه فعل
__________________
(١) معاني الزجاج (٣ / ٥٨).
(٢) انظر : زاد المسير (٤ / ١١٩).
(٣) تفسير مقاتل (٢ / ١٢٢).