«نقول» ، فنفى جميع القول إلا قولا واحدا ، وقوله : (اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) والتقدير : ما نقول قولا إلا هذه المقالة ، أي : إلا مقالتنا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ، والفعل يدل على المصدر وعلى الظرف وعلى الحال ، فيجوز أن يذكر الفعل ، ثم يستثنى من مدلوله ما دلّ عليه من المصادر والظروف والأقوال ، فقوله : «اعتراك» مستثنى من المصدر الذي دل عليه «نقول» ؛ كقوله عزوجل : (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ* إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) [الصافات : ٥٨ ـ ٥٩] فنصب «موتتنا» على الاستثناء ؛ لأنه مستثنى من ضروب الموت الذي دلّ عليه قوله : «بميتين». ومما جاء من ذلك في الظرف قوله تعالى : (وَيَوْمَ) نحشرهم (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنَ النَّهارِ) [يونس : ٤٥] ، ومثله : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) [طه : ١٠٤] ، و (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) [طه : ١٠٣]. ومما جاء من ذلك في الحال قوله : (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ) [آل عمران : ١١٢] ، والتقدير : ضربت عليهم الذلة في جميع الأحوال أينما ثقفوا إلا متمسكين بحبل من الله ، وهذا أصل كبير لا بد للعالم النحرير من رعايته ، فافهمه وقس عليه.
قال ابن قتيبة (١) : عراني كذا واعتراني ؛ إذا ألمّ بي. ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك : عار. ومنه قول النابغة :
أتيتك عاريا خلقا ثيابي |
|
على خوف تظنّ بي الظّنون (٢) |
ومعنى الكلام : ما نقول إلا أن بعض آلهتنا خبلك ومسّك بجنون لسبّك إياها وعداوتك لها ، فأظهر لهم قلّة المبالاة بها وبهم ، (قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي
__________________
(١) تفسير غريب القرآن (ص : ٢٠٤ ـ ٢٠٥).
(٢) البيت للنابغة. انظر : ديوانه (ص : ١٢٦) ، واللسان : مائدة : (عرا) ، وزاد المسير (٤ / ١١٨).