قال الفراء (١) : وهذا مما حوّلت العرب الفعل إليه ، وهو في الأصل لغيره ، كقولهم : دخل الخاتم في يدي ، والخفّ في رجلي ، وإنما الإصبع تدخل في الخاتم والرّجل في الخفّ. واستجازوا ذلك إذا كان المعنى معروفا.
وقرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر : «فعمّيت» بتشديد الميم وضم العين (٢) ، بمعنى : أخفيت عليكم. ويؤيدها قراءة أبي بن كعب : «فعمّاها عليكم» (٣).
(أَنُلْزِمُكُمُوها) أي : أنكرهكم على قبولها ، (وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ).
قال قتادة : والله لو استطاع نبي الله ألزمها قومه ، ولكن لم يملك ذلك (٤).
وقرأت على شيخنا أبي البقاء عبد الله بن الحسين النحوي لأبي عمرو من رواية
__________________
(١) معاني الفراء (٢ / ١٢).
(٢) الحجة للفارسي (٢ / ٣٨٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٣٨) ، والكشف (١ / ٥٢٧) ، والنشر (٢ / ٢٨٨) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٥٥) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٣٢).
(٣) انظر : زاد المسير (٤ / ٩٧).
قال الزمخشري في الكشاف (٢ / ٣٦٩) : فإن قلت : فما حقيقته؟ قلت : حقيقته : أن الحجة كما جعلت بصيرة ومبصرة ، جعلت عمياء ؛ لأن الأعمى لا يهتدي ولا يهدي غيره ، فمعنى (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) : البينة ، فلم تهدكم ، كما لو عمي على القوم دليلهم في المفازة بقوا بغير هاد.
فإن قلت : فما معنى قراءة أبيّ؟ قلت : المعنى : أنهم صمموا على الإعراض عنها ، فخلاهم الله وتصميمهم ، فجعلت تلك التخلية تعمية منه ، والدليل عليه قوله : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) يعني : أنكرهكم على قبولها ، ونقسركم على الاهتداء بها ، وأنتم تكرهونها ولا تختارونها ، ولا إكراه في الدين.
قال أبو حيان في البحر المحيط (٥ / ٢١٧) : وتوجيهه في قراءة أبيّ هو على طريقة المعتزلة.
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٩) ، وابن أبي حاتم (٦ / ٢٠٢٣). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٤١٦) وعزاه لابن جرير وأبي الشيخ.