(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) (٢٨)
(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ) أي : أخبروني (إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي : يقين وبصيرة.
قال ابن الأنباري (١) : «إن كنت» شرط لا يوجب شكا يلحقه ، لكن الشك يلحق المخاطبين من أهل الزيغ.
(وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) وهي النبوة.
فإن قيل : هل بين هذا الموضع وبين قول صالح : (وَآتانِي مِنْهُ رَحْمَةً) فرق في المعنى؟
قلت : كلا ، لكن هاهنا تقدمها قوله : (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) ، وقوله : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) ، وقوله : (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) ، فلما تقدمتها أفعال ثلاثة متعدية إلى مفعولين لا يحجز بينهما معمول فيه ، أجري هذا الفعل مجراها. وفي قصة صالح تقدمه : (يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) فوقع خبر «كان» الذي هو كالمفعول ل «كان» ، وقد تقدمه الجار والمجرور ، وجرى جواب صالح في تقديم الجار والمجرور مجرى قولهم.
قوله تعالى : (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي : خفيت عليكم. وقيل : عميتم عنها ، فهو من المقلوب ، كقولك : أدخلت القلنسوة في رأسي ، وأدخلت القبر زيدا.
__________________
(١) انظر : زاد المسير (٤ / ٩٦ ـ ٩٧).