قال الزجاج (١) : وزعم سيبويه (٢) أنّ جرم بمعنى : حق.
قال (٣) : وقول الشاعر :
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة |
|
جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا (٤) |
معناه : أحقّت الطعنة فزارة بالغضب.
وقال الفراء (٥) : «لا جرم» كلمة كانت في الأصل بمنزلة : «لا بدّ» و «لا محالة» ، فكثر استعمالها حتى صارت بمنزلة : «حقا». ألا ترى أن العرب تقول : لا جرم لآتينك ، [فتراها](٦) بمنزلة اليمين ، فكذلك فسرها المفسرون.
قال ابن عباس : يريد : حقا أنهم في الآخرة هم الأخسرون (٧).
فإن قيل : لأي معنى قال هاهنا : (الْأَخْسَرُونَ) ، وفي النحل : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ) [النحل : ١٠٩]؟
قلت : هذه إخبار عن قوم ضوعف العذاب لهم ، حيث ضلوا وأضلوا وصدوا
__________________
(١) معاني الزجاج (٣ / ٤٥ ـ ٤٦).
(٢) انظر : الكتاب (٣ / ١٣٨).
(٣) أي : الزجاج.
(٤) البيت لأبي أسماء بن الضّريبة ، أو عطية بن عفيف ، يرثي كرز ابن عامر ، وكان طعن حصين بن حذيفة الفزاري طعنة مميتة يوم بني عقيل وهو يوم الحاجر. انظر البيت في : الكتاب لسيبويه (٣ / ١٣٨) ، واللسان ، مادة : (جرم) ، وأمالي المرتضى (٤ / ١٦٩) ، ومجاز القرآن (١ / ١٤٧) ، والخزانة (٤ / ٣١٠) ، والمقتضب (٢ / ٣٥٢) ، والطبري (٦ / ٦٣) ، والماوردي (٢ / ٤٦٤) ، وزاد المسير (٤ / ٩٢) ، ومعاني الفراء (٢ / ٩) ، وروح المعاني (٦ / ٥٥ ، ١٢ / ١٢١ ، ٢٤ / ٧١).
(٥) معاني الفراء (٢ / ٨). وانظر : الوسيط (٢ / ٥٦٩) ، وزاد المسير (٤ / ٩١).
(٦) في الأصل : فترها. والتصويب من الوسيط وزاد المسير ، الموضعان السابقان.
(٧) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٦٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٩١).