فإن قيل : فما المختار عندهم ؛ الحذف ـ كما جاء هاهنا ـ؟ أم إثبات النون كما جاء في قوله تعالى : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) [السجدة : ٢٣]؟
قلت : الحذف إذا تعلقت بالجمل الكثيرة ؛ لأن الكثرة أحد سببي جواز حذفها ، وهذه الكثرة نعني بها في أمر الأفعال التي هي كان ، ونعبر بها عن كل فعل ، وكثرة الجمل هي التي تثقلها تعلقت بها من قبلها أو من بعدها. فقوله هاهنا : «فلا تك» جاء بعد أن تعلق بآيات ذوات جمل تقدمته وهي : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ) ... الآية ، وكذلك قوله : (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) في مريم جاء بعد قوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) إلى قوله : (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [مريم : ٨ ـ ٩].
وأما قوله تعالى : (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) [السجدة : ٢٣] فإنه لم يتقدمه من الجمل ما يثقله.
وأما قوله تعالى : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) فإنها تعلقت بما بعدها إلى آخر الآية.
وقرأت على شيخنا أبي البقاء : «مرية» بضم الميم حيث جاء في القرآن ، وهي قراءة الحسن وقتادة (١). أي : لا تك في شك من أن موعد الكفار من الأحزاب النار.
وقيل : فلا تك في مرية من القرآن. وقد سبق الكلام على نظائر هذا.
ثم استأنف فقال : (إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) قال ابن عباس : يعني : أهل مكة لا يؤمنون أنه الحق (٢).
__________________
(١) زاد المسير (٤ / ٨٩).
(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٦٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ٨٩).