أفعل خبرا للمبتدأ بخلاف كونه صفة أو حالا. وقرأ السلمي : «أن لا يرتابوا» بياء الغيبة كقراءة : «ولا يسأموا أن يكتبوه» وتقدّم توجيه ذلك.
قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً) في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه متصل قال أبو البقاء : «والجملة المستثناة في موضع نصب لأنه استثناء من الجنس لأنه أمر بالاستشهاد في كلّ معاملة ، واستثنى منها التجارة الحاضرة ، والتقدير : إلا في حال حضور التجارة».
والثاني : أنه منقطع ، قال مكي بن أبي طالب : «و «أن» في موضع نصب على الاستثناء المنقطع» قلت : وهذا هو الظاهر ، كأنه قيل : لكنّ التجارة الحاضرة فإنه يجوز عدم الاستشهاد والكتب فيها.
وقرأ عاصم هنا «تجارة» بالنصب ، وكذلك «حاضرة» لأنها صفتها ، وفي النساء (١) وافقه الأخوان ، والباقون قرؤوا بالرفع فيهما. فالرفع فيه وجهان :
أحدهما : أنها التامة أي : إلا أن تحدث أو تقع تجارة ، وعلى هذا فتكون «تديرونها» في محلّ رفع صفة لتجارة أيضا ، وجاء هنا على الفصيح ، حيث قدّم الوصف الصريح على المؤول.
والثاني : أن تكون الناقصة ، واسمها «تجارة» والخبر هو الجملة من قوله : «تديرونها» كأنه قيل : إلا أن تكون تجارة حاضرة مدارة ، وسوّغ مجيء اسم كان نكرة وصفه ، وهذا مذهب الفراء وتابعه آخرون.
وأمّا قراءة عاصم فاسمها مضمر فيها ، فقيل : تقديره : إلا أن تكون المعاملة أو المبايعة أو التجارة. وقدّره الزجاج إلّا أن تكون المداينة ، وهو أحسن. وقال الفارسي : «ولا يجوز أن يكون التداين اسم كان لأنّ التداين معنى ، والتجارة الحاضرة يراد بها العين ، وحكم الاسم أن يكون الخبر في المعنى ، والتداين حقّ في ذمة المستدين ، للمدين المطالبة به ، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون اسم كان لاختلاف التداين والتجارة الحاضرة» وهذا الذي قاله الفارسي لا يظهر ردا على أبي إسحاق ، لأن التجارة أيضا مصدر ، فهي معنى من المعاني لا عين من الأعيان ، وبين الفارسي والزجاج محاورة لأمر ما.
وقال الفارسيّ أيضا : «ولا يجوز أيضا أن يكون اسمها «الحقّ» الذي في قوله : «فإن كان الذي عليه الحق» للمعنى الذي ذكرنا في التداين ، لأنّ ذلك الحقّ دين ، وإذا لم يجز هذا لم يخل اسم كان ن أحد شيئين : أحدهما : أنّ هذه الأشياء التي اقتضت من الإشهاد والارتهان قد علم من فحواها التبايع ، فأضمر التبايع لدلالة الحال عليه كما أضمر لدلالة الحال فيما حكى سيبويه : «إذا كان غدا فأتني» وينشد على هذا :
١١٣٦ ـ أعينيّ هلّا تبكيان عفاقا |
|
إذا كان طعنا بينهم وعناقا (٢) |
أي : إذا كان الأمر. والثاني : أن يكون أضمر التجارة كأنه قيل : إلا أن تكون التجارة تجارة ، ومثله ما أنشده الفراء :
__________________
(١) انظر سورة النساء ، آية (٢٩).
(٢) البيت في معاني الفراء (١ / ١٨٦).