ولكنّ الجمهور
على ترجيح قراءة العامة وتخريجهم القراءة المشهورة. قال مكي : «وإن وقع ذو عسرة ،
وهو سائغ في كلّ الناس ، ولو نصبت «ذا» على خبر «كان» لصار مخصوصا في ناس بأعيانهم
، فلهذه العلة أجمع القرّاء المشهورون على رفع «ذو». وقد أوضح الواحدي هذا فقال : «أي
: وإن وقع ذو عسرة ، والمعنى على هذا يصحّ ، وذلك أنه لو نصب فقيل : وإن كان ذا
عسرة لكان المعنى : وإن كان المشتري ذا عسرة فنظرة ، فتكون النظرة مقصورة عليه ،
وليس الأمر كذلك ، لأن المشتري وغيره إذا كان ذا عسرة فله النظرة إلى الميسرة».
وقال الشيخ : «من نصب «ذا عسرة» أو قرأ «معسرا» فقيل : يختصّ بأهل
الربا ، ومن رفع فهو عامّ في جميع من عليه دين ، قال : «وليس بلازم ، لأنّ الآية
إنما سيقت في أهل الربا وفيهم نزلت» قلت : وهذا الجواب لا يجدي ، لأنه وإن كان
السياق كذا فالحكم ليس خاصا بهم. والعسرة بمعنى العسر.
قوله : (فَنَظِرَةٌ) الفاء جواب الشرط و «نظرة» خبر مبتدإ محذوف ، أي :
فالأمر أو فالواجب ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أي : فعليكم نظرة ، أو فاعل بفعل مضمر
، أي : فتجب نظرة.
وقرأ العامة : «نظرة»
بزنة «نبقة». وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء : «فنظرة» بتسكين العين ، وهي لغة تميمة
يقولون : «كبد» في كبد» و «كتف» في «كتف». وقرأ عطاء «فناظرة» على فاعلة ، وقد
خرّجها أبو إسحاق على أنها مصدر نحو : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها
كاذِبَةٌ)(يَعْلَمُ خائِنَةَ
الْأَعْيُنِ)(أَنْ يُفْعَلَ بِها
فاقِرَةٌ). وقال الزمخشري : «فناظره أي فصاحب الحق ناظره أي :
منتظره ، أو صاحب نظرته على طريقة النسب ، كقولهم : «مكان عاشب وباقل» بمعنى ذو
عشب وذو بقل ، وعنه : «فناظره» على الأمر بمعنى : فسامحه بالنظرة وباشره بها»
فنقله عنه القراءة الأولى يقتضي أن تكون قراءته «ناظر» اسم فاعل مضافا لضمير ذي
العسرة بخلاف القراءة التي قدّمتها عن عطاء ، فإنها «ناظرة» بتاء التأنيث ، ولذلك
خرّجها الزجاج على المصدر. وقرأ عبد الله : «فناظروه» أمرا للجماعة بالنظرة ، فهذه
ست قراءات مشهورها واحدة.
وهذه الجملة
لفظها خبر ومعناها الأمر ، كقوله : (وَالْوالِداتُ
يُرْضِعْنَ) وقد تقدّم. والنظرة من الانتظار وهو الصبر والإمهال.
قوله : (إِلى مَيْسَرَةٍ) قرأ نافع وحده : «ميسرة» بضم السين ، والباقون بفتحها.
والفتح هو المشهور إذ مفعل ومفعلة بالفتح كثير ، ومفعل بالضم معدوم إلا عند
الكسائي ، وما ورد منه ألفاظا ، وأما مفعلة فقالوا : قليل جدا وهي لغة الحجاز ،
وقد جاءت منها ألفاظ نحو : المسرقة والمقبرة والمشربة ، والمسربة والمقدرة
والمأدبة والمفخرة والمزرعة ومعولة ومكرمة ومألكة.
وقد ردّ النحاس
الضمّ تجرّؤا منه ، وقال : «لم تأت مفعلة إلا في حروف معدودة ليس هذه منها ، وأيضا
فإنّ الهاء زائدة ولم يأت في كلامهم مفعل البتة» انتهى. وقال سيبويه : «ليس في
الكلام مفعل» قال أبو علي : «يعني
__________________