فلا يختصّ ذلك ب «الذي» ، بل كلّ موصول غير الألف واللام حكمه حكم «الذي» بلا خلاف ، وفي الألف واللام خلاف ، ومذهب سيبويه المنع من دخول الفاء.
الثاني : قوله «موصولا بفعل» فأطلق الفعل واقتصر عليه ، وليس كذلك ، بل شرط الفعل أن يصلح لمباشرة أداة الشرط فلو قلت : «الذي سيأتيني ـ أو لمّا يأتيني ـ أو ما يأتيني أو ليس يأتيني ـ فله درهم لم يجز شيء من ذلك ، لأنّ أداء الشرط لا يصحّ أن تدخل على شيء من ذلك ، وأمّا الاقتصار على الفعل فليس كذلك بل الظرف والجارّ والمجرور في الوصل كذلك ، متى كان شيء منهما صلة لموصول جاز دخول الفاء. وقوله : «وإذا لم يدخل على «الذي» عامل يغيّر معناه» عبارة غير ملخّصة ، لأن العامل لا يغيّر معنى الوصول ، إنما يغيّر معنى الابتداء ، بأن يصيّره تمنيا أو ترجّيا أو ظنا نحو : لعل الذي يأتيني ـ أو ليت الذي يأتيني ، أو ظننت الذي يأتيني ـ فله درهم ، لا يجوز دخول الفاء لتغيّر معنى الابتداء. وكان ينبغي له أيضا أن يقول : «وشرط أن يكون الخبر مستحقا بالصلة كالآية الكريمة ، لأنّ ترتّب الأجر إنما هو على الإنفاق».
قلت : وقول الشيخ أيضا : «بل كلّ موصول» ليس الحكم أيضا مقتصرا على كلّ موصول ، بل كلّ نكرة موصوفة بما يجوز أن يكون صلة مجوّزة لدخول الفاء أو ما أضيف إلى تلك النكرة أو إلى ذلك الموصول أو الموصوف بالموصول حكمه كذلك. وهذه المسألة قد قدّمتها متقنة.
والرّبا لامه واو لقولهم : ربا يربو ، فلذلك يثنّى بالواو ويكتب بالألف. وجوّز الكوفيون تثنيته بالياء وكذلك كتابته ، قالوا لكسر أوله ولذلك أمالوه ، وليس هذا مختصا بمكسور الأول ، بل الثلاثي من ذوات الواو المكسور الأول أو المضمومة نحو : «ربا» و «علا» حكمه ما ذكرته عنهم ، فأمّا المفتوح الأول نحو : عصا وقفا فلم يخالفوا البصريين ، وكتب في القرآن بخط الصحابة بواو بعدها ألف. والمادة تدلّ على الزيادة والارتفاع ومنه الرّبوة. وقال حاتم الطائي يصف رمحا :
١٠٩٨ ـ وأسمر خطيّا كأنّ كعوبه |
|
نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر (١) |
وقيل : إنما كتب بالواو لأنّ أهل الحجاز تعلّموا الخطّ من أهل الحيرة ، وأهل الحيرة يقولون : «الرّبو» بالواو فكتبوها كذلك ونقلها أهل الحجاز كذلك خطّا لا لفظا. وقد قرأ العدويّ : «الرّبو» كذلك بواو خالصة بعد فتحة الباء. فقيل : هذا القارئ أجرى الوصل مجرى الوقف ، وذلك أنّ من العرب من يقلب ألف المقصور واوا فيقول : هذه أفعو ، وهذا من ذاك ، إلا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف.
وقد حكى أبو زيد ما هو أغرب من ذلك فقال : «قرأ بعضهم بكسر الراء وضم الباء وواو بعدها» ، ونسب هذه للغلط ؛ وذلك لأنّ لسان العرب لا يبقي واوا بعد ضمة في الأسماء المعربة ، بل إذا وجد ذلك لم يقرّ على حاله ، بل تقلب الضمة كسرة والواو ياء نحو : دلو وأدل ، وجرو وأجر وأنشد أبو عليّ :
١٠٩٩ ـ ليث هزبر مدلّ عند خيسته |
|
بالرّقمتين له أجر وأعراس (٢) |
ونهاية ما قيل فيها أنّ قارئها قلب الألف واوا كقولهم في الوقف : أفعو ، ثم أجري مجرى الوقف ذلك ، ولم يضبط الراوي عنه ما سمع فظنّه بضمّ الباء لأجل الواو فنقلها كذلك ، وليت الناس أخلوا تصانيفهم من مثل هذه
__________________
(١) انظر ديوانه (٨٠).
(٢) البيت لمالك بن خالد الهذلي انظر ديوان الهذليين (٣ / ٤) ، شرح المفصل لابن يعيش (٥ / ٣٥).