وفي قوله : (إِنْ تُبْدُوا) ، و (إِنْ تُخْفُوها) نوع من البديع وهو الطباق اللفظي. وفي قوله : (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ) طباق معنوي ، لأنه لا يؤتي الصدقات إلا الأغنياء ،
فكأنه قيل : إن يبد الأغنياء الصدقات ، وإن يخف الأغنياء الصدقات ، ويؤتوها
الفقراء ، فقابل الإبداء بالإخفاء لفظا ، والأغنياء بالفقراء معنى.
قوله : (وَيُكَفِّرُ) قرأ الجمهور «ويكفّر» بالواو ، والأعمش بإسقاطها والياء
وجزم الراء. وفيها تخريجان :
أحدهما : أنه
بدل من موضع قوله : «فهو خير لكم» لأنه جواب الشرط كأنّ التقدير : وإن تخفوها يكن
خيرا لكم ويكفّر.
والثاني : أنه
حذف حرف العطف فتكون كالقراءة المشهورة ، والتقدير : «ويكفّر» وهذا ضعيف جدا.
وقرأ ابن كثير
وأبو عمرو وأبو بكر بالنون ورفع الراء ، وقرأ نافع وحمزة والكسائي بالنون وجزم
الراء ، وابن عامر وحفص عن عاصم : بالياء ورفع الراء ، والحسن بالياء وجزم الراء ،
وروي عن الأعمش أيضا بالياء ونصب الراء ، وابن عباس : «وتكفّر» بتاء التأنيث وجزم
الراء ، وعكرمة كذلك إلا أنه فتح الفاء على ما لم يسمّ فاعله ، وابن هرمز بالتاء
ورفع الراء ، وشهر بن حوشب ـ ورويت عن عكرمة أيضا ـ بالتاء ونصب الراء ، وعن
الأعمش أيضا بالنون ونصب الراء ، فهذه إحدى عشرة قراءة ، والمشهور منها ثلاث.
فمن قرأ بالياء
ففيه ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه
أضمر في الفعل ضمير الله تعالى ، لأنه هو المكفّر حقيقة ، وتعضده قراءة النون
فإنها متعيّنة له.
والثاني : أنه
يعود على الصرف المدلول عليه بقوة الكلام ، أي : ويكفّر صرف الصدقات.
والثالث : أنه
يعود على الإخفاء المفهوم من قوله : «وإن تخفوها» ، ونسب التكفير للصرف والإخفاء
مجازا ، لأنهما سبب للتكفير ، وكما يجوز إسناد الفعل إلى فاعله يجوز إسناده إلى
سببه.
ومن قرأ بالتاء
ففي الفعل ضمير الصدقات ونسب التكفير إليها مجازا كما تقدّم. ومن بناه للمفعول
فالفاعل هو الله تعالى أو ما تقدّم. ومن قرأ بالنون فهي نون المتكلم المعظّم نفسه.
ومن جزم الراء فللعطف على محلّ الجملة الواقعة جوابا للشرط ، ونظيره قوله : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ
وَيَذَرُهُمْ) في قراءة من جزم «ويذرهم» .
ومن رفع فعلى
ثلاثة أوجه :
أحدها : أن
يكون مستأنفا لا موضع له من الإعراب ، وتكون الواو عاطفة جملة كلام على جملة كلام
آخر.
والثاني : أنه
خبر مبتدإ مضمر ، وذلك المبتدأ : إمّا ضمير الله تعالى أو الإخفاء أي : وهو يكفّر
فيمن فرأ بالياء أو ونحن نكفّر فيمن قرأ بالنون أو وهي تكفّر فيمن قرأ بتاء
التأنيث. والثالث : أنه عطف على محلّ ما بعد الفاء ، إذ لو وقع مضارع بعدها لكان
مرفوعا كقوله : (وَمَنْ عادَ
فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) ونظيره (وَيَذَرُهُمْ فِي
طُغْيانِهِمْ) في قراءة من رفع.
__________________