سورة الفاتحة
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ
رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢)
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) : الحمد : الثناء على الجميل سواء كان نعمة مسداة إلى أحد
أم لا ، يقال : حمدت الرجل على ما أنعم به عليّ ، وحمدته على شجاعته ، ويكون
باللسان وحده دون عمل الجوارح إذ لا يقال حمدت زيدا أي عملت له بيدي عملا حسنا
بخلاف الشكر ، فإنه لا يكون إلا نعمة مسداة إلى الغير يقال : شكرته على ما أعطاني
، ولا يقال : شكرته على شجاعته ، ويكون بالقلب واللسان والجوارح. قال تعالى : (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) وقال الشاعر :
٣٤ ـ أفادتكم
النّعماء منّي ثلاثة
|
|
يدي ولساني
والضّمير المحجّبا
|
فيكون بين
الحمد والشكر عموم وخصوص من وجه. وقيل : الحمد هو الشكر بدليل قولهم : (الحمد لله
شكرا) وقيل : بينهما عموم ، وخصوص مطلق ، والحمد أعم من الشكر ، وقيل : الحمد
الثناء عليه تعالى بأوصافه ، والشكر الثناء عليه بأفعاله ، فالحامد قسمان : شاكر
ومثن بالصفات الجميلة.
وقيل : الحمد
مقلوب من المدح ، وليس بسديد ، وإن كان منقولا عن ثعلب ، لأن المقلوب أقل استعمالا
من المقلوب منه ، وهذان مستويان في الاستعمال فليس ادعاء قلب أحدهما من الآخر أولى
من العكس فكانا مادتين مستقلتين ، وأيضا فإنه يمتنع إطلاق المدح حيث يجوز إطلاق
الحمد فإنه يقال حمدت الله ولا يقال : مدحته ، ولو كان مقلوبا لما امتنع ذلك ،
ولقائل أن يقول : منع من ذلك مانع وهو عدم الإذن في ذلك.
وقال الراغب :
الحمد لله الثناء «عليه» بالفضيلة ، وهو أخص من المدح وأعم من الشكر يقال فيما
يكون من الإنسان باختياره وبما يكون منه وفيه بالتسخير فقد يمدح الإنسان بطول
قامته وصباحة وجهه ، كما يمدح ببذل ماله وشجاعته وعلمه ، والحمد يكون في الثاني
دون الأول ، والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة ، فكل شكر حمد ، وليس كل حمد شكرا
، وكل حمد مدح ، وليس كل مدح حمدا ، ويقال : فلان محمود إذا حمد ، ومحمد «وجد
محمودا» ومحمد كثرت خصاله المحمودة وأحمد أي : أنه يفوق غيره في الحمد.
__________________