ويقال فيه توراب ، ويقال : ترب الرجل : افتقر. ومنه : (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ)(١) كأنّ جلده لصق به لفقره ، وأترب : أي استغنى ، كأنّ الهمزة للسلب ، أو صار ماله كالتراب.
(فَأَصابَهُ) عطف على الفعل الذي تعلّق به قوله : «عليه» أي : استقرّ عليه تراب فأصابه. والضمير يعود على الصّفوان ، وقيل : على التراب. وأمّا الضمير في «فتركه» فعلى الصفوان فقط. وألف «أصابه» من واو ، لأنه من صاب يصوب.
والوابل : المطر الشديد ، وبلت السماء تبل ، والأرض موبولة ، ويقال أيضا : أوبل فهو موبل ، فيكون ممّا اتفق فيه فعل وأفعل ، وهو من الصفات الغالبة كالأبطح (٢) ، فلا يحتاج معه إلى ذكر موصوف. قال النضر بن شميل : «أول ما يكون المطر رشّا ثم طشّا ، ثم طلّا ورذاذا ثم نضحا ، وهو قطر بين قطرين ، ثم هطلا وتهتانا ثم وابلا وجودا. والوبيل : الوخيم ، والوبيلة : حزمة الحطب ، ومنه قيل للغليظة : وبيلة على التشبيه بالحزمة.
قوله : (فَتَرَكَهُ صَلْداً) كقوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ)(٣). والصّلد : الأجرد الأملس ، ومنه : «صلد جبين الأصلع» : برق ، والصّلد أيضا صفة ، يقال : صلد بكسر اللام يصلد بفتحها فهو صلد. قال النقاش : «الصّلد بلغة هذيل». وقال أبان (٤) بن تغلب : «الصّلد : اللّيّن من الحجارة» وقال علي بن عيسى : «هو من الحجارة ما لا خير فيه ، وكذلك من الأرضين وغيرها ، ومنه : «قدر صلود» أي : بطيئة الغليان».
قوله : (لا يَقْدِرُونَ) في هذه الجملة قولان :
أحدهما : أنها استئنافية فلا موضع لها من الإعراب.
والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال من «الذي» في قوله : «كالذي ينفق» ، وإنما جمع الضمير حملا على المعنى ، لأنص المراد بالذي الجنس ، فلذلك جاز الحمل على لفظه مرة في قوله : «ماله» و «لا يؤمن» «فمثله» وعلى معناه أخرى. وصار هذا نظير قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) ثم قال : (بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ)(٥) ، وقد تقدّم تحقيق القول في ذلك. وقد زعم ابن عطية أنّ مهيع كلام العرب الحمل على اللفظ أولا ثم المعنى ثانيا ، وأنّ العكس قبيح ، وتقدّم الكلام معه في ذلك. وقيل : الضمير في «يقدرون» عائد على المخاطبين بقوله : «يا أيّها الذين آمنوا لا تبطلوا» ويكون من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة ، وفيه بعد. وقيل : يعود على ما يفهم من السياق. أي : لا يقدر المانّون ولا المؤذون على شيء من نفع صدقاتهم. وسمّى الصدقة كسبا. قال أبو البقاء : «ولا يجوز أن يكون «لا يقدرون» حالا من «الذي» لأنه قد فصل بينهما بقوله : «فمثله» وما بعده ، ولا يلزم ذلك ، لأنّ هذا الفصل فيه تأكيد وهو كالاعتراض.
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ
__________________
(١) سورة البلد ، آية (١٦).
(٢) وهو المسيل الواسع.
(٣) سورة البقرة ، آية (١٧).
(٤). أبان بن تغلب بن رباح البكري الجريري بالولاء أبو سعيد : قارئ لغوي من أهل الكوفة من غلاة الشيعة توفي سنة ١٤١ ه ، اللباب (١ / ٢٢٤) ، أعيان الشيعة (٥ / ٤٧) ، الأعلام (١ / ٢٦ ـ ٢٧).
(٥) سورة البقرة ، آية (١٧).