فكأنه شريك الفاعل للحفظ ، كما قالوا في (واعَدْنا مُوسى)(١) فالوعد من الله والقبول من موسى بمنزلة الوعد. وفي «حافظوا» معنى لا يوجد في «احفظوا» وهو تكرير الحفظ» وفيه نظر ؛ إذ المفاعلة لا تدلّ على تكرير فعل البتة.
قوله : (وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) ذكر الخاصّ بعد العامّ ، وقد تقدّم فائدته عند قوله : (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ)(٢) ، والوسطى : فعلى معناها التفضيل ، فإنها مؤنثة للأوسط ، كقوله ـ يمدح الرسول عليهالسلام ـ :
١٠١٢ ـ يا أوسط النّاس طرّا في مفاخرهم |
|
وأكرم النّاس أمّا برّة وأبا (٣) |
وهي من الوسط الذي هو الخيار وليست من الوسط الذي معناه : متوسط بين شيئين ، لأنّ فعلى معناها التفضيل ؛ ولا يبنى للتفضيل إلا ما يقبل الزيادة والنقص ، والوسط بمعنى العدل والخيار يقبلهما بخلاف المتوسط بين الشيئين فإنه لا يقبلهما فلا يبنى منه أفعل التفضيل.
وقرأ علي : «وعلى الصلاة» بإعادة حرف الجرّ توكيدا ، وقرأت عائشة ـ رضي الله عنها ـ «والصلاة» بالنصب ، وفيها وجهان :
أحدهما على الاختصاص ، ذكره الزمخشري.
والثاني على موضع المجرور ، مثله نحو : مررت بزيد وعمرا ، وسيأتي بيانه في المائدة.
قوله : (قانِتِينَ) حال من فاعل «قوموا». و (لِلَّهِ) يجوز أن تتعلّق اللام بقوموا ، ويجوز أن تتعلّق بقانتين ، ويدلّ للثاني قوله تعالى : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ)(٤). ومعنى اللام التعليل.
قوله تعالى : (فَرِجالاً) : منصوب على الحال ، والعامل فيه محذوف تقديره : «فصلّوا رجالا ، أو فحافظوا عليها رجالا وهذا أولى لأنه من لفظ الأول.
و «رجال» جمع راجل كقائم وقيام ، وصاحب وصحاب ، يقال منه : رجل يرجل رجلا ، فهو راجل ورجل بوزن عضد ، وهي لغة الحجاز ، يقولون : رجل فلان فهو رجل ويقال : رجلان ورجيل قال الشاعر :
١٠١٣ ـ عليّ إذا لاقيت ليلى بخفية |
|
أن ازدار بيت الله رجلان حافيا (٥) |
كلّ هذا بمعنى مشى على قدميه لعدم المركوب. ولهذا اللفظ جموع كثيرة : رجال كما تقدّم ، وقال تعالى :
(يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ)(٦) ، وقال الشاعر :
١٠١٤ ـ وبنو غدانة شاخص أبصارهم |
|
يمشون تحت بطونهنّ رجالا (٧) |
ورجيل ورجالى ، وتروى قراءة عن عكرمة ، ورجالى ورجّالة ورجّال وبها قرأ عكرمة وابن مخلد (٨) ، ورجّالى
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٥١).
(٢) سورة البقرة ، آية (٩٨).
(٣) البيت من شواهد القرطبي (٣ / ٢٠٩).
(٤) سورة البقرة ، آية (١١٦).
(٥) البيت لبعض بني ... انظر أوضح المسالك (٢ / ٩٦) ، المغني (٥١٣) ، الأشموني (٢ / ١٨٤) ، الطبري (٥ / ٢٣٨) ، اللسان «رجل».
(٦) سورة الحج ، آية (٢٧).
(٧) البيت من شواهد البحر (٢ / ٢٤٣).
(٨) محمد بن مخلد بن جعفر أبو عبد الله الدوري العطار من رجال الحديث توفي سنة ٣٣١ ه ، الأعلام (٧ / ٩٣).