والجمهور على «يتمّ الرّضاعة» بالياء المضمومة من «أتمّ» وإعمال أن الناصبة ، ونصب «الرّضاعة» مفعولا به ، وفتح رائها. وقرأ مجاهد والحسن وابن محيصن وأبو رجاء : «تتمّ» بفتح التاء من تمّ ، «الرضاعة» بالرفع فاعلا وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة كذلك إلا أنهما كسرا راء «الرضاعة» ، وهي لغة كالحضارة والحضارة ، والبصريون يقولون : فتح الراء مع هاء التأنيث وكسرها مع عدم الهاء ، والكوفيون يزعمون العكس. وقرأ مجاهد ـ ويروى عن ابن عباس ـ : (أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) برفع «يتمّ» وفيها قولان :
أحدهما قول البصريين : أنها «أن» الناصبة أهملت حملا على «ما» أختها لاشتراكهما في المصدرية ، وأنشدوا على ذلك قوله :
٩٩٣ ـ إنّي زعيم يا نوي |
|
قة إن أمنت من الرّزاح (١) |
أن تهبطين بلاد قو |
|
م يرتعون من الطّلاح |
وقول الآخر :
٩٩٤ ـ يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسكما |
|
وحيثما كنتما لقّيتما رشدا (٢) |
أن تقرآن على أسماء ويحكما |
|
منّي السّلام وألّا تشعرا أحدا |
فأهملها ولذلك ثبتت نون الرفع ، وأبوأ أن يجعلوها المخففة من الثقيلة لوجهين :
أحدهما : أنه لم يفصل بينها وبين الجملة الفعلية بعدها.
والثاني : أنّ ما قبلها ليس بفعل علم ويقين.
والثاني : وهو قول الكوفيين أنها المخففة من الثقيلة ، وشدّ وقوعها موقع الناصبة ، كما شدّ وقوع «أن» الناصبة موقعها في قوله :
٩٩٥ ـ ... قد علموا |
|
أن لا يدانينا في خلقه أحد (٣) |
وقرأ مجاهد : «الرّضعة» بوزن القصعة. والرّضع : مصّ الثّدي ، ويقال للّئيم : راضع ، وذلك أنه يخاف أن يحلب الشاة فيسمع منه الحلب ، فيطلب منه اللبن ، فيرتضع ثدي الشاة بفمه.
قوله : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ) هذا الجارّ خبر مقدّم ، والمبتدأ قوله : (رِزْقُهُنَّ) ، و «أل» في المولود موصولة ، و «له» قائم مقام الفاعل للمولود ، وهو عائد الموصول ، تقديره : وعلى الذي ولد له رزقهنّ ، فحذف الفاعل وهو الوالدات ، والمفعول وهو الأولاد ، وأقيم هذا الجارّ والمجرور مقام الفاعل.
وذكر بعض الناس أنه لا خلاف في إقامة الجارّ والمجرور مقام الفاعل إلا السهيلي ، فإنه منع من ذلك. وليس كما ذكر هذا القائل ، وأنا أبسط مذاهب الناس في هذه المسألة ، فأقول بعون الله : اختلف الكوفيون والبصريون في
__________________
(١) البيتان للقاسم بن معن انظر شرح المفصل لابن يعيش (٧ / ٩) ، الأزهية (٥٨) ، العيني (٣ / ٢٩٧) ، الأشموني (١ / ٢٩٢).
(٢) البيتان في الخزانة (٣ / ٥٥٩) ، الإنصاف (٥٦٣) ، مجالس ثعلب (٣٢٣) ، أوضح المسالك (٣ / ١٦٦).
(٣) تقدم.