و (مَنْ كانَ) في محلّ رفع لقيامه مقام الفاعل. وفي «كان» اسمها يعود على «من» ، و «يؤمن» في محلّ نصب خبرا لها ، و «منكم» : إمّا متعلّق بكان عند من يرى أنها تعمل في الظرف وشبهه ، وإمّا بمحذوف على أنه حال من فاعل يؤمن. وأتى باسم إشارة البعيد تعظيما للمشار إليه ، لأنّ المشار إليه قريب ، وهو الحكم المذكور في العضل. وألف «أزكى» عن واو.
وقوله : (ذلِكُمْ) متعلق بمحذوف لأنه صفة ل (أَزْكى) فهو في محلّ رفع. وقوله : (وَأَطْهَرُ) أي : لكم ، والمفضّل عليه محذوف للعلم أي : من العضل.
(وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٢٣٣)
قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ) : كقوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ)(١) فليلتفت إليه. والوالد والوالدة صفتان غالبتان جاريتان مجرى الجوامد ، ولذلك لم يذكر موصوفهما.
قوله : (حَوْلَيْنِ) منصوب على ظرف الزمان ، ووصفهما بكاملين رفعا للتجوّز ، إذ قد يطلق «الحولان» على الناقصين شهرا وشهرين. والحول : السنة ، سميّت لتحوّلها ، والحول أيضا : الحيل ويقال : لا حول ولا قوة ، ولا حيل ولا قوة.
قوله : (لِمَنْ أَرادَ) في هذا الجارّ ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه متعلق بيرضعن ، وتكون اللام للتعليل ، و «من» واقعة على الآباء ، أي : الوالدات يرضعن لأجل من أراد إتمام الرضاعة من الآباء ، وهذا نظير قولك : «أرضعت فلانة لفلان ولده».
والثاني : أنها للتبيين ، فتتعلّق بمحذوف ، وتكون هذه اللام كاللام في قوله تعالى : (هَيْتَ لَكَ)(٢) ، وفي قولهم : «سقيا لك». فاللام بيان للمدعوّ له بالسّقي وللمهيّت به ، وذلك أنه لمّا ذكر أنّ الوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين بيّن أنّ ذلك الحكم إنما هو لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة. و «من» تحتمل حينئذ أن يراد بها الوالدات فقط أو هنّ والوالدون معا ، كلّ ذلك محتمل.
والثالث : أن هذه اللام خبر لمبتدأ محذوف فتتعلق بمحذوف ، والتقدير : ذلك الحكم لمن أراد. و «من» على هذا تكون للوالدات والوالدين معا.
قوله : (أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) «أن» وما في حيّزها في محلّ نصب مفعولا بأراد ، أي : لمن أراد إتمامها.
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (٢٢٨).
(٢) سورة يوسف ، آية (٢٣).