وقال أبو البقاء : «منكم» حال من الفاعل ، وهي متعلقة ب «شهد».
قال الشيخ (١) : «فناقض ، لأنّ جعلها حالا يوجب أن يكون عاملها محذوفا ، وجعلها متعلقة بشهد يوجب ألّا تكون حالا». ويمكن أن يجاب عن اعتراض الشيخ عليه بأنّ مراده التعلّق المعنوي ، فإنّ كائنا الذي هو عامل في قوله «منكم» هو متعلّق بشهد ، وهو الحال حقيقة.
وفي نصب «الشهر» قولان :
أحدهما : أنّه منصوب على الظرف ، والمراد بشهد : حضر ويكون مفعول «شهد» محذوفا تقديره : فمن شهد منكم ، المصر أو البلد في الشهر.
والثاني : أنه منصوب على المفعول به ، وهو على حذف مضاف. ثم اختلفوا في تقدير ذلك المضاف : فالصحيح أنّ تقديره «دخول الشهر». وقال بعضهم : هلال الشهر ، وهذا ضعيف لوجهين :
أحدهما : أنك لا تقول : شهدت الهلال ، إنما تقول : شاهدت الهلال.
والثاني : أنه كان يلزم الصوم كلّ من شهد الهلال ، وليس كذلك. وقال الزمخشري : «الشهر منصوب على الظرف ، وكذلك الهاء في «فليصمه» ، ولا يكون مفعولا به كقولك : شهدت الجمعة ، لأنّ المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر» وفي قوله : «الهاء منصوبة على الظرف» فيه نظر لا يخفى ؛ لأنّ الفعل لا يتعدّى لضمير الظرف إلا ب «في» ، اللهم إلّا أن يتوسّع فيه ، فينصب نصب المفعول به ، وهو قد نصّ على أنّ نصب الهاء أيضا على الظرف.
والفاء في قوله : «فليصمه» : إمّا جواب الشرط ، وإمّا زائدة في الخبر على حسب ما تقدّم في «من» ، واللام لام الأمر. وقرأ الجمهور بسكونها وإن كان أصلها الكسر ، وإنما سكّنوها تشبيها لها مع الواو والفاء ب «كتف» ، إجراء للمنفصل مجرى المتصل. وقرأ السلمي وأبو حيوة وغيرهما بالأصل ، أعني كسر لام الأمر في جميع القرآن. وفتح هذه اللام لغة سليم فيما حكاه الفراء ، وقيد بعضهم (٢) هذا عن الفراء ، فقال : «من العرب من يفتح هذه اللام لفتحة الياء بعدها» ، قال : فلا يكون على هذا الفتح إن انكسر ما بعدها أو ضمّ نحو : لينذر ، ولتكرم أنت خالدا».
والألف واللام في قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ) للعهد إذ لو أتى بدله بضمير فقال : فمن شهده منكم لصحّ ، إلا أنّه أبرزه ظاهرا تنويها به.
قوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) تقدّم معنى الإرادة واشتقاقها عند قوله تعالى : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا)(٣). و «أراد» يتعدى في الغالب إلى الأجرام بالياء وإلى المصادر بنفسه كالآية الكريمة ، وقد ينعكس الأمر ، قال الشاعر :
٨٥٣ ـ أرادت عرارا بالهوان ومن يرد |
|
عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم (٤) |
والباء في «بكم» قال أبو البقاء : «للإلصاق ، أي : يلصق بكم اليسر. وهو من مجاز الكلام ، أي : يريد الله
__________________
(١) البحر (٢ / ٤١).
(٢) انظر البحر المحيط (٢ / ٤١).
(٣) سورة البقرة ، آية (٢٦).
(٤) البيت من شواهد البحر (٢ / ٤٢) ، وهو في الكامل (١ / ٢٧٣) ، شرح الحماسة (١ / ٢٨٠) ، معجم الشعراء (٢٢).