قال الفراء : «لم أسمع فعلا إلّا هذا» قال الثعلبي (١). «يقال شهر الهلال إذا طلع». ويجمع في القلة على أشهر وفي الكثرة على شهور. وهما مقيسان.
ورمضان علم لهذا الشهر المخصوص وهو علم جنس ، وفي تسميته برمضان أقوال :
أحدهما : أنّه وافق مجيئه في الرّمضاء ـ وهي شدّة الحرّ ـ فسمّي بذلك ، كربيع لموافقته الربيع ، وجمادى لموافقته جمود الماء ، وقيل : لأنه يرمض الذنوب أي : يحرقها بمعنى يمحوها. وقيل : لأنّ القلوب تحترق فيه من الموعظة. وقيل : من رمضت النّصل دققته بين حجرين ليرقّ يقال : نصل رميض ومرموض. وكان اسمه في الجاهلية ناتقا. أنشد المفضّل.
٨٥١ ـ وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغى |
|
وولّت على الأدبار فرسان خثعما (٢) |
وقال الزمخشري : «الرّمضان مصدر رمض إذا احترق من الرّمضاء».
قال الشيخ (٣) : «ويحتاج في تحقيق أنّه مصدر إلى صحة نقل ، فإن فعلانا ليس مصدر فعل اللازم ، بل إن جاء منه شيء كان شاذّا». وقيل : هو مشتقّ من الرّمضيّ وهو مطر يأتي قبل الخريف يطهّر الأرض من الغبار فكذلك هذا الشهر يطهّر القلوب من الذنوب.
والقرآن في الأصل مصدر «قرأت» ، ثم صار علما لما بين الدّفّتين ويدلّ (٤) على كونه مصدرا في الأصل قول حسّان في عثمان رضي الله عنهما :
٨٥٢ ـ ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به |
|
يقطّع اللّيل تسبيحا وقرآنا |
وهو من قرأ بالهمز أي : جمع ، لأنه يجمع السور والآيات والحكم والمواعظ والجمهور على همزه ، وقرأ ابن كثير من غير همز. واختلف في تخريج قراءته على وجهين أظهرهما : أنه من باب النقل ، كما ينقل ورش حركة الهمزة إلى الساكن قبلها ثم يحذفها في نحو : «قد أفلح» ، وهو وإن لم يكن أصله النقل ، إلا أنّه نقل هنا لكثرة الدّور وجمعا بين اللغتين.
والثاني : أنه مشتقّ عنده من قرنت بين الشيئين ، فيكون وزنه على هذا : فعالا ، وعلى الأول. فعلانا ، وذلك أنه قد قرن فيه بين السور والآيات والحكم والمواعظ.
وأما قول من قال إنّه مشتقّ من قريت الماء في الحوض أي جمعته فغلط ، لأنّهما مادتان متغايرتان. و «القرآن» مفعول لم يسمّ فاعله ، ومعنى «أنزل فيه القرآن» : أنّ القرآن نزل فيه فهو ظرف لإنزاله : قيل في الرابع والعشرين منه ، وقيل : أنزل في شأنه وفضله ، كقولك : «أنزل في فلان قرآن».
قوله : (هُدىً) في محلّ نصب على الحال من القرآن ، والعامل فيه «أنزل» وهدى مصدر ، فإمّا أن يكون على حذف مضاف أي : ذا هدى أو على وقوعه موقع اسم الفاعل أي : هاديا ، أو على جعله نفس الهدى مبالغة.
__________________
(١) أحمد بن محمد إبراهيم النيسابوري أبو إسحاق الثعلبي صاحب التفسير والعرائس توفي في المحرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة البغية (١ / ٣٥٦) ، إنباه الرواة (١ / ١١٩).
(٢) البيت ذكره ابن منظور في اللسان «نتق».
(٣) انظر البحر المحيط (٢ / ٢٦).
(٤) انظر ديوانه (٢٤٤) ، قرآنا هنا : قراءة اللسان «خما».