المعنى : لا تهبط ولا أمدح ولا أبرح. وهذا ليس بشيء ، لأنّ حذفها ملبس ، وأمّا الأبيات المذكورة فلدلالة القسم على النفي.
والهاء في «يطيقونه» للصوم ، وقيل : للفداء ، قاله الفراء.
و (فِدْيَةٌ) مبتدأ ، خبره في الجارّ قبله. والجماعة على تنوين «فدية» ورفع «طعام» وتوحيد «مسكين» وهشام كذلك إلّا أنه قرأ : «مساكين» جمعا ، ونافع وابن ذكوان بإضافة «فدية» إلى «طعام مساكين» جمعا. فالقراءة الأولى يكون «طعام» بدلا من «فدية» بيّن بهذا البدل المراد بالفدية ، وأجاز أبو البقاء أن يكون خبر مبتدإ محذوف ، أي : هي طعام. وأما إضافة الفدية للطعام فمن باب إضافة الشيء إلى جنسه ، والمقصود به البيان كقولك. خاتم حديد وثوب خزّ وباب ساج ، لأنّ الفدية تكون طعاما وغيره. وقال بعضهم : «يجوز أن تكون هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة ، قال : «لأنّ الفدية لها ذات وصفتها أنّها طعام» وهذا فاسد ، لأنّه : إمّا أن يريد بطعام المصدر بمعنى الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء ، أو يريد به المفعول ، وعلى كلا التقديرين فلا يوصف به ؛ لأن المصدر لا يوصف به إلا عند المبالغة ، وليست مرادة هنا ، والذي بمعنى المفعول ليس جاريا على فعل. ولا ينقاس ، لا تقول : ضراب بمعنى مضروب ، ولا قتال بمعنى مقتول ، ولكونها غير جارية على فعل لم تعمل عمله ، لا تقول : «مررت برجل طعام خبزه» وإذا كان غير صفة فكيف يقال : أضيف الموصوف لصفته؟.
وانّما أفردت «فدية» لوجهين :
أحدهما : أنّها مصدر والمصدر يفرد ، والتاء فيها ليست للمرّة ، بل لمجرّد التأنيث.
والثاني : أنه لمّا أضافها إلى مضاف إلى الجمع أفهمت الجمع وهذا في قراءة «مساكين» بالجمع. ومن جمع «مساكين» فلمقابلة الجمع بالجمع ، ومن أفرد فعلى مراعاة إفراد العموم ، أي : وعلى كلّ واحد ممّن يطيق الصوم لكلّ يوم يفطره إطعام مسكين. ونظيره : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً)(١).
وتبيّن من إفراد «المسكين» أنّ الحكم لكلّ يوم يفطر فيه مسكين ، ولا يفهم ذلك من الجمع. والطعام : المراد به الإطعام ، فهو مصدر ، ويضعف أن يراد به المفعول ، قال أبو البقاء : «لأنه أضافه إلى المسكين ، وليس الطعام للمسكين قبل تمليكه إياه ، فلو حمل على ذلك لكان مجازا ، لأنه يصير تقديره : فعليه إخراج طعام يصير للمساكين ، فهو من باب تسمية الشيء ، بما يؤول إليه ، وهو وإن كان جائزا إلا أنه مجاز والحقيقة أولى منه».
قوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً) قد تقدّم نظيره والكلام مستوفى عليه عند قوله : «فمن (تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ)(٢) فليلتفت إليه. والضمير في قوله : «فهو» ضمير المصدر المدلول عليه بقوله : «فمن تطوّع» أي : فالتطوع خير له. و «له» في محلّ رفع لأنه صفة لخير ، فيتعلّق بمحذوف ، أي : خير كائن له.
قوله : (وَأَنْ تَصُومُوا) في تأويل مصدر مرفوع بالابتداء تقديره : «صومكم» و «خير» خبره. ومثله :
__________________
(١) سورة النور ، آية (٤).
(٢) سورة البقرة ، آية (١٥٨).