ولا حاجة إلى ما قاله من التقدير.
والثاني : أن يتعلّق بمحذوف على أنه حال من النار. قال أبو البقاء : «والأجود أن تكون الحال هنا مقدرة لأنها وقت الأكل ليست في بطونهم ، وإنما تؤول إلى ذلك ، والتقدير : ثابتة أو كائنة في بطونهم قال : «ويلزم من هذا تقديم الحال على حرف الاستثناء وهو ضعيف ، إلا أن يجعل المفعول محذوفا ، و «في بطونهم» حالا منه أو صفة له ، أي : في بطونهم شيئا يعني فيكون «إلا النار» منصوبا على الاستثناء التام ، لأنه مستثنى من ذلك المحذوف. إلا أنه قال بعد ذلك : «وهذا الكلام في المعنى على المجاز ، وللإعراب حكم اللفظ.
والثالث : أن يكون صفة أو حالا من مفعول «كلوا» محذوفا كما تقدّم تقريره.
قوله تعالى : (فَما أَصْبَرَهُمْ) : في «ما» هذه خمسة أقوال :
أحدها : وهو قول سيبويه والجمهور أنها نكرة تامة غير موصولة ولا موصوفة ، وأنّ معناها التعجب ، فإذا قلت : ما أحسن زيدا ، فمعناه : شيء صيّر زيدا حسنا.
والثاني : ـ وإليه ذهب الفراء ـ أنّها استفهامية صحبها معنى التعجب ، نحو : «كيف تكفرون».
والثالث : ـ ويعزى للأخفش ـ أنها موصولة.
والرابع : ـ ويعزى له أيضا ـ أنها نكرة موصوفة. وهي على الأقوال الأربعة في محلّ رفع بالابتداء ، وخبرها على القولين الأوّلين الجملة الفعلية بعدها ، وعلى قولي الأخفش يكون الخبر محذوفا ، فإنّ الجملة بعدها إمّا صلة أو صفة. وكذلك اختلفوا في «أفعل» الواقع بعدها أهو اسم ـ وهو قول الكوفيين ـ أم فعل؟ وهو الصحيح. ويترتب على هذا الخلاف خلاف في نصب الاسم بعده : هل هو مفعول به أو مشبّه بالمفعول به. ولهذه المذاهب دلائل واعتراضات وأجوبة ليس هذا موضوعها.
والمراد بالتعجب هنا وفي سائر القرآن الإعلام بحالهم أنها ينبغي أن يتعجّب منها ، وإلا فالتعجّب مستحيل في حقّه تعالى. ومعنى «على النار» أي على عمل أهل النار ، وهذا من مجاز الكلام.
الخامس : أنّها نافية ، أي : فما أصبرهم الله على النار ، نقله أبو البقاء وليس بشيء.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(١٧٧)
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ) : اختلفوا في محلّ «ذلك» من الإعراب. فقيل : رفع ، وقيل : نصب. والقائلون بأنه رفع اختلفوا على ثلاثة أقوال :