وقرأ أبو عمرو
وعاصم وحمزة بكسر نون «من» على أصل التقاء الساكنين ، وضمّها الباقون إتباعا لضمّ
الثالث. وليس هذا الخلاف مقصورا على هذه الكلمة ، بل إذا التقى ساكنان من كلمتين ،
وضمّ الثالث ضمّا لازما نحو : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ)(قُلِ ادْعُوا)(قالَتِ اخْرُجْ) جرى الخلاف المذكور. إلّا أنّ أبا عمرو خرج عن أصله في «أو»
، و «قل» فضمّهما ، وابن ذكوان خرج عن أصله فكسر التنوين خاصة
نحو : (مَحْظُوراً انْظُرْ) ، واختلف عنه في : (بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا) ، و (خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ) ، وسيأتي بيان الحكمة في ذلك عند ذكره إن شاء الله
تعالى.
قوله : (غَيْرَ باغٍ) نصب على الحال ، واختلف في صاحبها ، فالظاهر أنه هو
الضمير المستتر في «اضطرّ» ، وجعله القاضي وأبو بكر الرازي من فاعل فعل محذوف بعد
قوله : «اضطرّ» ، قالا : تقديره : فمن اضطرّ فأكل غير باغ ، كأنهما قصدا بذلك أن
يجعلاه قيدا في الأكل لا في الاضطرار. قال الشيخ «ولا يتعيّن ما قالاه» ، إذ يحتمل أن يكون هذا المقدّر بعد قوله : «غير باغ
ولا عاد» بل هو الظاهر والأولى ، لأنّ في تقديره قبل «غير باغ» فصلا بين ما ظاهره
الاتصال بما بعده ، وليس ذلك في تقديره بعد قوله : «غير باغ».
و «عاد» اسم
فاعل من عدا يعدو إذا تجاوز حدّه ، والأصل : عادو ، فقلبت الواو ياء لانكسار ما
قبلها كغاز من الغزو. وهذا هو الصحيح ، وفيه قول ثان : أنه مقلوب من عاد يعود فهو
عائد ، فقدّمت اللام على العين فصار اللفظ : عادو ، فأعلّ بما تقدّم ، ووزنه :
فالع ، كقولهم : شاك في شائك من الشوكة ، وهار والأصل هائر ، لأنه من هار يهور ،
قال أبو البقاء : «ولو جاء في غير القرآن منصوبا عطفا على موضع «غير» جاز» يعني
فكان يقال : ولا عاديا.
وقد اختلف
القرّاء في حركة التقاء الساكنين من نحو : «فمن اضطرّ» وبابه ، فأبو عمرو وحمزة
وعاصم على كسر الأول منهما ، والباقون على الضم إلا ما يستثنى لبعضهم. وضابط محلّ
اختلافهم : كلّ ساكنين التقيا من كلمتين ثالث ثانيهما مضموم ضمة لازمة ، نحو : «فمن
اضطرّ» (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ
قَلِيلاً)(قالَتِ اخْرُجْ
عَلَيْهِنَ)(قُلِ ادْعُوا اللهَ)(أَنِ اعْبُدُوا)(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ)(مَحْظُوراً انْظُرْ) وفهم من قولي «كلمتين» الاحتراز من أن يفصل بينهما
بكلمة أخرى نحو : (إِنِ الْحُكْمُ) فإنّ هذا وإن صدق عليه أنّ الثالث مضموم ضما لازما ؛
إلا أنه قد فصل بينهما بكلمة أخرى وهي أل المعرفة. ومن قولي : «ضمة لازمة»
الاحتراز من نحو : (أَنِ امْشُوا) فإنّ الشين أصلها الكسر ، فمن كسر فعلى أصل التقاء
الساكنين ، ومن ضمّ فللإتباع.
واستثني لأبي
عمرو موضعان فضمّهما : وهما : (قُلِ ادْعُوا أَوِ
انْقُصْ مِنْهُ)
، واستثني لابن
ذكوان عن ابن
__________________