وفي قوله : (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) التفات من ضمير المتكلّم إلى الغيبة ، إذ لو جرى على الأسلوب الأول لقال : «واشكرونا».
قوله تعالى : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ) : الجمهور قرأوا «حرّم» مشدّد مبنيا للفاعل ، «الميتة» نصبا ، على أنّ «ما» كافة مهيّئة لإنّ في الدخول على هذه الجملة الفعلية ، وفاعل «حرّم» ضمير الله تعالى. و «الميتة» مفعول به. وابن أبي عبلة برفع الميتة وما بعدها. وتخريج هذه القراءة سهل ، وهو أن تكون «ما» موصولة ، و «حرّم» صلتها ، والفاعل ضمير الله تعالى ، والعائد محذوف لاستكمال الشروط ، تقديره : حرّمه ، والموصول وصلته في محلّ نصب اسم «إنّ» و «الميتة» خبرها.
وقرأ أبو جعفر : «حرّم» مبنيا للمفعول ، فتحتمل «ما» في هذه القراءة وجهين :
أحدهما : أن تكون «ما» مهيّئة ، و «الميتة» مفعول ما لم يسمّ فاعله.
والثاني : أن تكون موصولة ، فمفعول «حرّم» القائم مقام الفاعل ضمير مستكن يعود على «ما» الموصولة ، و «الميتة» خبر «إنّ».
وقرأ أبو عبد الرحمن السّلمي (١) : «حرم» بضمّ الراء مخففة ، و «الميتة» رفعا و «ما» تحتمل الوجهين أيضا ، فتكون مهيئة ، و «الميتة» فاعل بحرم ، أو موصولة ، والفاعل ضمير يعود على «ما» ، وهي اسم «إنّ» ، و «الميتة» خبرها.
والجمهور على تخفيف «الميتة» في جميع القرآن ، وأبو جعفر بالتشديد وهو الأصل ، وهذا كما تقدّم في أنّ «الميت» مخفّف من «الميّت» وأن أصله : ميوت ، وهما لغتان ، وسيأتي تحقيق ذلك عند قوله : يخرج (الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)(٢) في آل عمران. ويحكى عن قدماء النحاة أن «الميت» بالتخفيف من فارقت روحه جسده ، وبالتشديد من عاين أسباب الموت ولم يمت. وحكى ابن عطية عن أبي حاتم أنّ ما قد مات يقالان فيه ، وما لم يمت بعد لا يقال فيه بالتخفيف ، ثم قال : «ولم يقرأ أحد بتخفيف ما لم يمت إلا ما روى البزي عن ابن كثير : (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ)(٣).
وأمّا قوله :
٨٢٠ ـ إذا ما مات ميت من تميم |
|
فسرّك أن يعيش فجئ بزاد (٤) |
فقد حمل على من شارف الموت ، وحمله على الميت حقيقة أبلغ في الهجاء.
وأصل «ميّتة» : ميوتة ، فأعلّت بقلب الواو ياء وإدغام الياء فيها ، وقال الكوفيون : أصله : مويت ، ووزنه فعيل.
واللحم معروف ، وجمعه لحوم ولحمان ، يقال : لحم الرجل بالضم لحامة فهو لحيم ، أي : غلظ ، ولحم
__________________
(١) عبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمي تابعي ثقة توفي سنة ١٩٤ ه غاية النهاية (١ / ٤١٣).
(٢) سورة آل عمران ، آية (٢٧).
(٣) سورة إبراهيم ، آية (١٧).
(٤) البيت لأبي المهوس انظر اللسان «لفف» ، القرطبي (٢ / ١٤٦).