مجرور البتة ، ولما استشكل هذا بما ذكر ، خرج الآية على حذف موصول اسمي قال : وهو جائز شائع في كلامهم وإن كان البصريون لا يجيزونه ، وأنشد شاهدا عليه :
٧٩٣ ـ ما الّذي دأبه احتياط وحزم |
|
وهواه أطاع يستويان (١) |
أي : والذي أطاع وقوله :
٧٩٤ ـ أمن يهجو رسول الله منكم |
|
ويمدحه وينصره سواء (٢) |
أي : ومن ينصره وقوله :
٧٩٥ ـ فو الله ما نلتكم وما نيل منكم |
|
بمعتدل وفق ولا متقارب (٣) |
أي : ما الذي نلتم ، وقوله تعالى : (وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ)(٤) أي : وبالذي أنزل إليكم ليطابق قوله : (وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ)(٥) ثم قال الشيخ : وقد يتمشى التقدير الأول يعني جواز الحذف وإن لم يوجد شرطه ـ قال : وقد جاء ذلك في أشعارهم وأنشد :
٧٩٦ ـ وإنّ لساني شهدة يشتفى بها |
|
وهوّ على من صبّه الله علقم (٦) |
أي : علقم عليه وقوله :
٧٩٧ ـ لعلّ الّذي أصعدتني أن يردّني |
|
إلى الأرض إن لم يقدر الخير قادره (٧) |
أي : أصعدتني به.
قوله : (مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ) يجوز في «كل» ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون في موضع المفعول به لبث ، وتكون «من» تبعيضية.
الثاني : أن تكون «من» زائدة على مذهب الأخفش و «كل دابة» مفعول به ل «بث» أيضا.
والثالث : أن يكون في محل نصب على الحال من مفعول «بث» المحذوف إذا قلنا إن ثم موصولا محذوفا تقديره : وما بث حال كونه كائنا من كل دابة ، وفي من حينئذ وجهان :
أحدهما : أن تكون للبيان.
والثاني : أن تكون للتبعيض. وقال أبو البقاء : ومفعول «بث» محذوف تقديره : وبث فيها دواب من كل دابة ، وظاهر أن هذا من كل دابة صفة لذلك المحذوف ، وهو تقدير لا طائل تحته والبث نشر ، والتفريق قال :
__________________
(١) البيت من شواهد البحر (١ / ٤٦٦) ، المغني (٢ / ٦٢٥).
(٢) البيت لحسان انظر ديوانه (٢٠) ، أي إن من حكم لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وهجاءكم إياه سواء وكل ذلك لا ينفعكم لأنكم أذلة.
(٣) البيت لعبد الله بن رواحة انظر الهمع (١ / ٨٨) ، المغني (٢ / ٦٣٨) ، الدرر (١ / ٦٨) ، وهو من شواهد البحر (١ / ٤٤٦).
(٤) سورة العنكبوت ، آية (٤٦).
(٥) سورة النساء ، آية (١٣٦).
(٦) تقدم.
(٧) البيت للفرزدق انظر ديوانه (١٨٨) ، وهو من شواهد البحر (١ / ٤٦٦).