أحدها : أنها متعلقة بقوله : «ولأتم» تقديره : ولأتم نعمتي عليكم إتماما ، مثل إتمام الرسول فيكم ، ومتعلق الإتمامين مختلف ، فالأول بالثواب في الآخرة.
والثاني بإرسال الرسول في الدنيا أو الأول بإيجاب الدعوة الأولى لإبراهيم في قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ)(١).
والثاني بإيجابة الدعوة الثانية في قوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ)(٢) ورجحه مكي لأن سياق اللفظ يدل على أن المعنى : ولأتم نعمتي ببيان ملة أبيكم إبراهيم ، كما أجبنا دعوته فيكم فأرسلنا إليكم رسولا منكم.
الثاني : أنها متعلقة بيهتدون تقديره : يهتدون اهتداء مثل إرسالنا فيكم رسولا ، ويكون تشبيه الهداية بالإرسال في التحقيق والثبوت أي : اهتداء متحققا كتحقق إرسالنا.
الثالث : وهو قول أبي مسلم أنها متعلقة بقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(٣) أي : جعلا مثل إرسالنا ، وهذا بعيد جدا لطول الفصل المؤذن بالانقطاع.
الرابع : أنها متعلقة بما بعدها وهو «اذكروني» قال الزمخشري : كما ذكرتكم بإرسال الرسل ، فاذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب فيكون على تقدير مصدر محذوف ، وعلى تقدير مضاف أي : اذكروني ذكرا مثل ذكرنا لكم بالإرسال ، ثم صار : مثل ذكر إرسالنا ثم حذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وهذا كما تقول : كما أتاك فلان فإنه يكرمك ، والفاء غير مانعة من ذلك قال أبو البقاء : كما لم تمنع في باب الشرط يعني أن ما بعد فاء الجزاء يعمل فيما قبلها «وقد رد مكي هذا بأن الأمر إذا كان له جواب ، لم يتعلق به ما قبله لاشتغاله بجوابه و «اذكروني» قد أجيب بقوله : «أذكركم» فلا يتعلق به ما قبله ، قال : ولا يجوز ذلك إلا على التشبيه بالشرط الذي يجاب بجوابين نحو : إذا أتاك فلان فأكرمه ترضه فيكون «كما» و «فأذكركم» جوابين للأمر ، والأول أفصح وأشهر ، وتقول : «كما أحسنت إليك فأكرمني» فيصبح أن تجعل الكاف متعلقة بأكرمني ، إذ لا جواب له.
وهذا الذي منعه مكي.
قال الشيخ (٤) : لا نعلم خلافا في جوازه ، وأما قوله : «إلا أن يشبه بالشرط» وجعله «كما» جوابا للأمر ، فليس بتشبيه صحيح ولا يتعقل وللاحتجاج عليه موضع غير هذا الكتاب.
قال الشيخ (٥) : وإنما يخدش هذا عندي وجود الفاء ، فإنها لا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وتبعد زيادتها انتهى ، وقد تقدم ما نقلته عن أبي البقاء في أنها غير مانعة من ذلك.
الخامس : أنها متعلقة بمحذوف على أنها حال من نعمتي ، والتقدير : ولأتم نعمتي مشبهة إرسالنا فيكم رسولا ، أي مشبهة نعمة الإرسال ، فيكون على حذف مضاف ، وأما على القول بأنها للتعليل فتتعلق بما بعدها ، وهو قوله : «فاذكروني» أي : اذكروني لأجل إرسالنا فيكم رسولا ، وكون الكاف للتعليل واضح ، وجعل بعضهم منه :
__________________
(١) سورة البقرة ، آية (١٣٨).
(٢) سورة البقرة ، آية (١٢).
(٣) سورة البقرة آية (١٤٣).
(٤) البحر المحيط (١ / ٤٤٤).
(٥) المصدر السابق.