أحدها فعلية ، والياء أيضا تحتمل أن تكون للنسب ، ولم يشذوا فيه بتغيير كما شذوا في الضم والكسر وأن لا يكون نحو : برنية.
الثاني : فعولة كخروبة والأصل : ذرورة.
الثالث : فعيلة كسكينة والأصل : ذريرة.
الرابع : فعلولة كبكولة ، والأصل : ذرورة أيضا ففعل به ما تقدم في نظيره من إبدال الراء الأخيرة وإدغام ما قبلها فيها وكسرت الذال اتباعا ، وبهذا الضبط الذي فعلته اتضح القول في هذه اللفظية لغة واشتقاقا وتصريفا فإن الناس قد استشكلوا هذه اللفظة بالنسبة لما ذكرت وغلط أكثرهم في تصريفها بالنسبة إلى الأعمال التي قدمتها ، والحمد لله.
وأما من بناها على فعلة مثل جفنة ، فإنها عنده من ذريت. والذرية : النسل يقع على الذكور والإناث ، والجمع الذراري ، وزعم بعضهم أنها تقع على الآباء كوقوعها على الأبناء مستدلا بقوله : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)(١) يعني نوحا ومن معه وسيأتي ذلك في موضعه.
قوله : (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) الجمهور على نصب «الظالمين» مفعولا ، و «عهدي» فاعل ، أي : لا يصل عهدي إلى الظالمين فيدركهم ، وقرأ قتادة والأعمش وأبو رجاء : الظالمون بالفاعلية ، و «عهدي» مفعول به ، والقراءتان ظاهرتان إذ الفعل يصح نسبته إلى كل منهما ، فإن من نالك فقد نلته ، والنيل : الإدراك ، وهو العطاء أيضا نال ينال نيلا فهو نائل.
(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(١٢٥)
قوله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) : (إِذْ) عطف على «إذ» قبلها ، وقد تقدم الكلام فيها ، و (جَعَلْنَا) يحتمل أن يكون بمعنى «خلق» و «وضع» فيتعدى لواحد وهو «البيت» ، ويكون «مثابة» نصبا على الحال ، وأن يكون بمعنى صير فيتعدى لاثنين فيكون «مثابة» هو المفعول الثاني.
والأصل في «مثابة» مثوبة ، فأعل بالنقل والقلب ، وهل هو مصدر أو اسم مكان قولان؟ وهل الهاء فيه للمبالغة كعلامة ونسابة لكثرة من يثوب إليه أي : يرجع أو لتأنيث المصدر كمقامه أو لتأنيث البقعة؟ ثلاثة أقوال ، وقد جاء حذف هذه الهاء ، قال ورقة بن نوفل :
٧١٦ ـ مثاب لأفناء القبائل كلّها |
|
تخبّ إليها اليعملات الذّوامل (٢) |
وقال :
٧١٧ ـ جعل البيت مثابا لهم |
|
ليس منه الدّهر يقضون الوطر (٣) |
__________________
(١) سورة يس ، آية (٤١).
(٢) البيت في اللسان «ثوب» ، القرطبي (٢ / ٧٦).
(٣) البيت من شواهد البحر (١ / ٣٨٠).