لأن الطلب لا يقع حالا ، والجحيم : شدة توقد النار ومنه قيل لعين الأسد : «جحمة» لشدة توقدها ، يقال : جحمت النار تجحم ، ويقال لشدة الحر : جاحم قال :
٧٠٨ ـ والحرب لا يبقى لجا |
|
حمها التّخيّل والمراح (١) |
والرضا : ضد الغضب ، وهو من ذوات الواو لقولهم : الرضوان ، والمصدر : رضا ورضاء بالقصر والمد ، ورضوانا ورضوانا بكسر الفاء وضمها ، وقد يتضمن معنى «عطف» فيتعدى ب «على» قال :
٧٠٩ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير |
|
............... (٢) |
والملة في الأصل : الطريقة ، يقال : طريق ممل : أي : أثر فيه المشي ، ويعبر بها عن الشريعة تشبيها بالطريقة ، وقيل : بل اشتقت من «أمللت» ، لأن الشريعة فيها من يملي ويملى عليه.
قوله تعالى : (هُوَ الْهُدى) : يجوز في «هو» أن يكون فصلا أو مبتدأ ، وما بعده خبرا ، ولا يجوز أن يكون بدلا من «هدى الله» لمجيئه بصيغة الرفع ، وأجاز أبو البقاء فيه أن يكون توكيدا لاسم إن ، وهذا لا يجوز فإن المضمر لا يؤكد المظهر.
قوله : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ) هذه تسمى اللام الموطئة للقسم ، وعلامتها أن تقع قبل أدوات الشرط ، وأكثر مجيئها مع إن ، وقد تأتي مع غيرها نحو : (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ)(٣) (لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ)(٤) وسيأتي بيانه ، ولكونها مؤذنة بالقسم اعتبر سبقها فأجيب القسم دون الشرط بقوله : «مالك من الله من ولي». وحذف جواب الشرط ولو أجيب الشرط لوجبت الفاء ، وقد تحذف هذه اللام ويعمل بمقتضاها ، فيجاب القسم نحو قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَ)(٥) قوله : «من العلم» في محل نصب على الحال من فاعل «جاءك» و «من» للتبعيض أي : جاءك حال كونه بعض العلم.
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٢١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٢٢) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(١٢٤)
قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ) : رفع بالابتداء ، وفي خبره قولان :
أحدهما : «يتلونه» ، وتكون الجملة من قوله (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ) : إما مستأنفة ، وهو الصحيح ، وإما حالا على قول ضعيف ، تقدم مثله أول السورة.
والثاني : أن الخبر هو الجملة من قوله : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ) ، ويكون «يتلونه» في محل نصب على الحال : إما من المفعول في «آتيناهم» ، وإما من الكتاب ، وعلى كلا القولين فهي حال مقدرة ، لأن وقت الإيتاء لم يكونوا تالين ،
__________________
(١) البيت لسعد بن مالك وهو من شواهد الكتاب (٢ / ٣٢٤) ، الخزانة (١ / ٢٥٥) ، الحماسة (١ / ١٩٢).
(٢) تقدم.
(٣) سورة آل عمران ، آية (٨١).
(٤) سورة الأعراف ، آية (١٨).
(٥) سورة المائدة ، آية (٧٣).