في المعنى ، وإن اختلفا في اللفظ» فالهمزة عنده ليست للتعدية ، وجعل الزمخشري وابن عطية الهمزة للتعدية ، إلا أنهما اختلفا في تقدير المفعول الأول المحذوف ، وفي معنى الإنساخ فجعل الزمخشري المفعول المحذوف جبريل ـ عليهالسلام ـ والإنساخ هو الأمر بنسخها أي : الإعلام به ، وجعل ابن عطية المفعول ضمير النبي ـ عليهالسلام ـ والإنساخ إباحة النسخ لنبيه كأنه لما نسخها أباح له تركها فسمى تلك الإباحة إنساخا.
وخرج ابن عطية القراءة على كون الهمزة للتعدية من وجه آخر ، وهو من نسخ الكتاب وهو نقله من غير إزالة له ، قال «ويكون المعنى : ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ أو ما نؤخر فيه ونتركه فلا ننزله ، أي ذلك فعلنا فإنما نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله ، فيجيء الضميران في «منها» و «بمثلها» عائدين على الضمير في «ننسأها».
قال الشيخ (١) : «وذهل عن القاعدة وهي أنه لا بد من ضمير يعود من الجزاء على اسم الشرط و «ما» في قوله : «ما ننسخ» شرطية وقوله : «أو ننسأها» عائد على الآية ، وإن كان المعنى ليس عائدا عليها من حيث اللفظ والمعنى بل إنما يعود عليها من حيث اللفظ فقط نحو : عندي درهم ونصفه فهو في الحقيقة على إضمار «ما» الشرطية ، التقدير : أو ما ننسأ من آية ضرورة أن المنسوخ غير المنسوء ، ولكن يبقى قوله : ما ننسخ من آية مفلتا من الجواب إذ لا رابط يعود منه إليه ، «فبطل هذا المعنى الذي قاله».
قوله : (مِنْ آيَةٍ) «من» للتبعيض فهي متعلقة بمحذوف ، لأنها صفة لاسم الشرط ، ويضعف جعلها حالا ، والمعنى : أي شيء ننسخ من الآيات ف «آية» مفرد وقع موقع الجمع ، وكذلك تخريج كل ما جاء من هذا التركيب : (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ)(٢) (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)(٣) وهذا المجرور هو المخصص والمبين لاسم الشرط ، وذلك أن فيه إبهاما من جهة عمومه ، ألا ترى أنك لو قلت : «من يكرم أكرم» تناول النساء والرجال فإذا قلت : «من الرجال» بينت وخصصت ما تناوله اسم الشرط.
وأجاز أبو البقاء فيها وجهين آخرين :
أحدهما : أنها في موضع نصب على التمييز والمميز «ما» والتقدير : أي شيء ننسخ قال : ولا يحسن أن تقدر : أي آية ننسخ ، لأنك لا تجمع بين «آية» وبين المميز بآية ، لا تقول أي آية نسخ من آية ، يعني أنك لو قدرت ذلك لاستغنيت عن التمييز.
والثاني : أنها زائدة ، وآية حال ، والمعنى : أي شيء ننسخ قليلا أو كثيرا ، وقد جاءت «آية» حالا في قوله : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً)(٤) أي : «علامة» وهذا فاسد لأن الحال لا تجر ب «من» وقد تقدم أنها مفعول بها و «من» زائدة على القول يجعل «ما» واقعة موقع المصدر ، فهذه أربعة أوجه.
قوله : (أَوْ نُنْسِها) «أو» هنا للتقسيم و «ننسها» مجزوم عطفا على فعل الشرط قبله. وفيها ثلاث عشرة قراءة (٥) : «ننساها» بفتح حرف المضارعة وسكون النون وفتح السين مع الهمز ، وبها قرأ أبو عمرو وابن كثير.
__________________
(١) البحر المحيط (٤٣٢).
(٢) سورة فاطر ، آية (٢).
(٣) سورة النحل ، آية (٥٣).
(٤) سورة الأعراف ، آية (٧٣).
(٥) انظر البحر المحيط (١ / ٣٤٣).