المبالغة أو على حذف مضاف أي : ذا هدى : و «بشرى» ألفها للتأنيث ، وجاء هذا الترتيب اللفظي في هذه الأحوال مطابقا للترتيب الوجودي ، وذلك أنه نزل مصدقا للكتب ، لأنها من ينبوع واحد.
والثاني : أنه حصلت به الهداية بعد نزوله.
والثالث : أنه بشرى لمن حصلت له به الهداية ، وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون به دون غيرهم ، وقد تقدم نحوه.
(مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (٩٨) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (٩٩) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١٠٠)
قوله تعالى : (مَنْ كانَ عَدُوًّا) : الكلام في «من كما تقدم إلا أن الجواب هنا يجوز أن يكون (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ) فإن قيل : وأين الرابط؟ فالجواب من وجهين :
أحدهما : أن الاسم الظاهر قام مقام المضمر ، وكان الأصل : فإن الله عدو لهم ، فأتى بالظاهر تنبيها على العلة.
والثاني : أن يراد بالكافرين العموم ، والعموم من الروابط لاندراج الأول تحته ، ويجوز أن يكون محذوفا تقديره : من كان عدوا لله فقد كفر ونحوه ، وقال بعضهم الواو في قوله (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) بمعنى أو قال : لأن من عادى واحدا من هؤلاء المذكورين ، فالحكم فيه كذلك. وقال بعضهم : هي للتفضيل ولا حاجة إلى ذلك فإن هذا الحكم معلوم ، وذكر جبريل وميكال بعد اندراجهما أولا ؛ تنبيها على فضلهما على غيرهما من الملائكة ، وهكذا كل ما ذكر : خاص بعد عام ، وبعضهم يسمي هذا النوع بالتجريد كأنه يعني به أنه جرد من العموم الأول بعض إفراده اختصاصا له بمزية ، وهذا الحكم ـ أعني ذكر الخاص بعد العام ـ مختص بالواو لا يجوز في غيرها من حروف العطف.
وجعل بعضهم مثل هذه الآية ـ أعني في ذكر الخاص بعد العام تشريفا له ـ قوله : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ)(١) وهذا فيه نظر فإن «فاكهة» من باب المطلق ، لأنها نكرة في سياق الإثبات ، وليست من العموم في شيء ، فإن عنى أن اسم الفاكهة يطلق عليهما من باب صدق اللفظ على ما يحتمله ، ثم نص عليه فصحيح. وأتى باسم الله ظاهرا في قوله : (فَإِنَّ اللهَ عَدُوٌّ) لأنه لو أضمر فقيل : «فإنه» لأوهم عوده على اسم الشرط فينعكس المعنى ، أو عوده على ميكال لأنه أقرب مذكور. وميكائيل اسم أعجمي ، والكلام فيه كالكلام في جبريل من كونه مشتقا من ملكوت الله أو أن «ميك» بمعنى عبد و «إيل» اسم الله ، وأن تركيبه تركيب إضافة أو تركيب مزج ، وقد عرف الصحيح من ذلك.
وفيه سبع لغات :
__________________
(١) سورة الرحمن ، آية (٦٨).