قوله : (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) جملة من مبتدأ أو خبر متسبّبة عمّا تقدّم. والمصدر هنا مضاف للفاعل ، وأتى ب «على» تنبيها على أنّ اللعنة قد استعلت عليهم وشملتهم. وقال «على الكافرين» ولم يقل «عليهم» إقامة للظاهر مقام المضمر لينبّه على السبب المقتضي لذلك وهو الكفر.
(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ)(٩٠)
قوله تعالى : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا) .. بئس : فعل ماض غير متصرف ، معناه الذمّ ، فلا يعمل إلا في معرّف بأل ، أو فيما أضيف إلى ما هما فيه ، أو في مضمر مفسّر بنكرة ، أو في «ما» على قول سيبويه. وفيه لغات : بئس بكسر العين وتخفيف ، هذا الأصل ، وبئس بكسر الفاء اتباعا للعين وتخفيف ، هذا الإتباع ، وهو أشهر الاستعمالات ، ومثلها «نعم» في جميع ما تقدّم من الأحكام واللغات. وزعم الكوفيون أنهما اسمان ، مستدلّين بدخول حرف الجر عليهما في قولهم : «ما هي بنعم الولد نصرها بكاء وبرّها سرقة» ، «ونعم السير على بئس العير» وقوله :
٦١٣ ـ صبّحك الله بخير باكر |
|
بنعم طير وشباب فاخر (١) |
وقد خرّجه البصريون على حذف موصوف ، قامت صفته مقامه تقديره : ما هي بولد مقول فيه نعم الولد ، ولها أحكام كثيرة ، ولا بدّ بعدها من مخصوص بالمدح أو الذمّ ، وقد يحذف لقرينة ، هذا حكم بئس.
أمّا ، «ما» الواقعة بعدها كهذه الآية : فاختلف النحويون فيها اختلافا كثيرا ، واضطربت النقول عنهم اضطرابا شديدا ، فاختلفوا : هل لها محلّ من الإعراب أم لا؟ فذهب الفراء إلى أنها مع «بئس» شيء واحد ركّب تركيب «حبّذا» ، نقله ابن عطية ، ونقل عنه المهدوي أنه يجوّز أن تكون «ما» مع بئس بمنزلة كلّما ، فظاهر هذين النقلين أنها لا محلّ لها. وذهب الجمهور إلى أنّ لها محلا ، ثم اختلفوا : محلّها رفع أو نصب؟ فذهب الأخفش إلى أنها في محلّ نصب على التمييز والجملة بعدها في محلّ نصب صفة لها ، وفاعل بئس مضمر تفسّره «ما» ، والمخصوص بالذمّ هو قوله : (أَنْ يَكْفُرُوا) لأنه في تأويل مصدر ، والتقدير : بئس هو شيئا اشتروا به كفرهم ، وفيه قال الفارسي في أحد قوليه ، واختاره الزمخشري ، ويجوز على هذا أن يكون المخصوص بالذمّ محذوفا ، و «اشتروا» صفة له في محلّ رفع تقديره : بئس شيئا شيء أو كفر اشتروا به ، كقوله :
٦١٤ ـ لنعم الفتى أضحى بأكناف حائل (٢) |
|
............... |
أي : فتى أضحى ، و «أن يكفروا» بدل من ذلك المحذوف ، أو خبر مبتدأ محذوف أي : هو أن يكفروا. وذهب الكسائي إلى أنّ «ما» منصوبة المحلّ أيضا ، لكنه قدّر بعدها «ما» أخرى موصولة بمعنى الذي ، وجعل الجملة من قوله «اشتروا» صلتها ، و «ما» هذه الموصولة هي المخصوص بالذمّ ، والتقدير : بئس شيئا الذي اشتروا
__________________
(١) البيت في الهمع (٢ / ٨٤) ، العيني (٤ / ٥٢) ، الأشموني (٣ / ٢٧) ، الدرر (٢ / ١٠٨).
(٢) البيت عند العكبري في إملائه (١ / ٥١).