فأجاز الفراء نصبه أيضا. والثاني أن تكون استفهامية في محلّ رفع بالابتداء ، و «جزاء» خبره ، و «إلّا خزي» بدل من «جزاء» ، نقله أبو البقاء و «من» موصولة أو نكرة موصوفة ، و «يفعل» لا محلّ لها على الأول ، ومحلّها الجرّ على الثاني.
قوله «منكم» في محلّ نصب على الحال من فاعل «يفعل» فتعلّق بمحذوف أي : يفعل ذلك حال كونه منكم.
قوله : «في الحياة» يجوز فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون في محلّ رفع لأنه صفة ل «خزي» ، فيتعلّق بمحذوف ، أي : خزي كائن في الحياة ، والثاني : أن يكون محلّه النصب على أنه ظرف للخزي فهو منصوب به تقديرا.
والجزاء : المقابلة ، خيرا كان أو شرا ، والخزي : الهوان ، يقال : خزي بالكسر يخزى خزيا فهو خزيان ، وامرأة خزيا والجمع خزايا ، وقال ابن السكيت : «الخزي الوقوع في بليّة ، وخزي الرجل في نفسه يخزى خزاية إذا استحيا». والدّنيا فعلى تأنيث الأدنى من الدنوّ ، وهو القرب ، وألفها للتأنيثه ، ولا تحذف منها أل إلا ضرورة كقوله :
٦٠٢ ـ يوم ترى النفوس ما أعدّت |
|
في سعي دنيا طالما قد مدّت (١) |
وياؤها عن واو ، وهذه قاعدة مطّردة ، وهي كلّ فعلى صفة لامها واو تبدل ياء نحو : العليا والدّنيا ، فأمّا قولهم : القصوى عند غير تميم ، والحلوى عند الجميع فشاذ ، فلو كانت فعلى اسما صحّت الواو كقوله :
٦٠٣ ـ أدارا بحزوى هجت للعين عبرة |
|
فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق (٢) |
وقد استعملت استعمال الأسماء ، فلم يذكر موصوفها ، قال تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا)(٣) ، وقال ابن السراج في «المقصور والممدود» : «والدّنيا مؤنثة مقصورة ، تكتب بالألف ، هذه لغة نجد وتميم ، إلا أنّ الحجاز وبني أسد يلحقونها ونظائرها بالمصادر ذوات الواو فيقولون : دنوى مثل شروى ، وكذلك يفعلون بكل فعلى موضع لامها واو يفتحون أوّلها ويقلبون ياءها واوا ، وأمّا أهل اللغة الأولى فيضمّون الدال ويقلبون الواء ياء لاستثقالهم الواو مع الضمة.
وقرئ : «يردّون» بالغيبة على المشهور. وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون التفاتا فيكون راجعا إلى قوله : «أفتؤمنون» فخرج من ضمير الخطاب إلى الغيبة.
والثاني : أنّه لا التفات فيه ، بل هو راجع إلى قوله : «من يفعل» ، وقرأ الحسن «تردّون» بالخطاب ، وفيه الوجهان المتقدّمان ، فالالتفات نظرا لقوله : «من يفعل» ، وعدم الالتفات نظرا لقوله : «أفتؤمنون».
وكذلك (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا) تعلمون قرئ في المشهور بالغيبة والخطاب ، والكلام فيهما كما تقدّم.
__________________
(١) تقدم وهو للعجاج.
(٢) البيت لذي الرمة انظر ديوانه (٤٥٦) ، وهو من شواهد الكتاب (١ /) ، الخزانة (١ / ٣١١) ، الأشموني (٣ / ١٣٩) ، العيني (٤ / ٢٣٦) ، أوضح المسالك (٣ / ٣٣٠).
(٣) سورة الأنفال ، آية (٦٧).