فإنه قال وألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط.
٣ ـ أبو حيان :
يعد أبو حيان الأندلسي الغرناطي الحافظ الأستاذ شيخ العربية والأدب والقراءات أحد النحاة المحققين الذين خلفوا تراثا ضخما لا يزال شاهدا لهم على مر الأيام والسنين ومن يقلب صفحات «البحر المحيط» يعجب لهذه الثقافة الواسعة التي تدل على فضل ذلك الشيخ وعلمه ، وقد ترك كتاب البحر المحيط بصماته في كتاب «الدر المصون» حتى يخيل لمن يطالع كتاب «الدر المصون» كأنّه يقرأ «البحر المحيط» ولا غرو في ذلك فالسمين الحلبي تلميذ لأبي حيان لذلك أفاد السمين الحلبي من ذلك الكتاب إفادة وارفة الظلال. وبتوفيق المولى سبحانه وتعالى نستطيع من خلال النماذج التالية أن نتبين مدى الاتفاق والاختلاف بين السمين الحلبي في كتابه «الدر المصون» وشيخه أبي حيان في «البحر المحيط».
قال السمين عند قوله تعالى : (الرَّحْمنُ.) ..(١) العامة على رفعه وفيه أوجه أحدها أنه بدل من الضمير المستكن في «خلق» ذكره ابن عطية ، ورده الشيخ بأن البدل يحل محل المبدل منه ولو حل ما محله لم يجز لخلو الجملة الموصول بها من رابط يربطها به. ومن هنا يتبين لنا أن السمين ساق النص بدون تعليق.
قال السمين عند قوله تعالى : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.) ..(٢) ، قال الشيخ : والظاهر أن مفعول يعلم محذوف مدلا له ما قبله أي لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعود الذي سألوا عنه واستبطأوه.
فترى «السمين» ساق النص دون أن يعلق أو يعترض ، وحينا آخر نرى السمين الحلبي يرد شيخه أبا حيان في رأيه ويعترضه ، وغالبا ما يكون اعتراضه في صورة انتصار للزمخشري مثلا ولنأخذ على ذلك أمثلة.
قال السمين عند قوله تعالى : (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) .. في عامل هذا الظرف أوجه ؛ أحدها : أن العامل فيه ألقيت أي القيت محبة مني في وقت مشي أختك ، الثاني : أنه منصوب بقوله ولتصنع أي لتربى ويحسن إليك في هذا الوقت. الثالث : أن يكون «إذ تمشي ...» بدلا من إذ أوحينا ، قال الزمخشري : فإن قلت كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان قلت كما يصح وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه ، أن يقول لك الرجل لقيت فلانا سنة كذا فتقول وأنا لقيته إذ ذاك وربما لقيته هو في أولها وأنت في آخرها. قال الشيخ وليس كما ذكر لأن السنة تقبل الاتساع فإذن وقع لقيهما فيها بخلاف هذين الطرفين فإن كل واحد منهما ضيق ليس بمتسع لتخصصهما بما أضيف إليه فلا يمكن أن يقع الثاني في الظرف الذي وقع فيه الأول إذ الأول ليس متسعا لوقوع الوحي فيه وقوع مشي الأخت فليس وقت وقوع الفعل مشتملا على أجزاء وقع في بعضها المشي بخلاف السنة ، قلت ـ يعني السمين الحلبي يتعقب أستاذه ـ وهذا تحمل منه عليه فإن زمن اللقاء أيضا ضيق فعليهما وإنما ذلك مبنى على التساهل إذ المراد أن الزمان مشتمل على فعليهما.
قال السمين عند قوله تعالى : (... كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٣) وهذه الجملة يجوز أن يكون لا محل لها من الإعراب لاستئنافها ويجوز أن يكون محلها النصب على الحال.
قال الشيخ : أو محلها النصب على الحال من الشمس والقمر لأن الليل والنهار لا يتصفان بأنهما يجريان في فلك
__________________
(١) سورة طه ، آية (٥).
(٢) سورة الأنبياء ، آية (٣٩).
(٣) سورة الأنبياء ، آية (٣٣).