عليهم ، فالصابئ : التارك لدينه كالصابىء الطارىء على القوم فإنه تارك لأرضه ومنتقل عنها». ومن لم يهمز فإنه يحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون مأخوذا من المهموز فأبدل من الهمزة حرف علة إمّا ياء أو واوا ، فصار من باب المنقوص مثل قاض أو غاز ، والأصل : صاب ، ثم جمع كما يجمع القاضي أو الغازي ، إلا أنّ سيبويه لا يرى قلب هذه الهمزة إلا في الشعر ، والأخفش وأبو زيد يريان ذلك مطلقا.
الثاني : أنه من صبا يصبو إذا مال ، فالصابي كالغازي ، أصله : صابوا فأعلّ كإعلال غاز. وأسند أبو عبيد إلى ابن عباس : «ما الصابون إنما هي الصابئون ، ما الخاطون إنما هي الخاطئون». فقد اجتمع في قراءة نافع همز النبيين وترك همز الصابئين ، وقد عرفت أن العكس فيهما أفصح. وقد حمل الضمير في قوله (مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ) على لفظ «من» فأفرد ، وعلى المعنى في قوله : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) على المعنى ، فجمع كقوله :
٥٢٢ ـ ألمّا بسلمى عنكما إن عرضتما |
|
وقولا لها عوجي على من تخلّفوا (١) |
فراعى المعنى ، وقد تقدّم تحقيق ذلك عند قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا)(٢).
والأجر في الأصل مصدر يقال : أجره الله يأجره أجرا ، وقد يعبّر به عن نفس الشيء المجازى به ، والآية الكريمة تحتمل المعنيين.
وقرأ أبو السّمّال (٣) : «والذين هادوا» بفتح الدال كأنها عنده من المفاعلة والأصل : «هاديوا» فأعلّ كنظائره.
قوله تعالى : (فَوْقَكُمُ) : ظرف مكان ناصبه «رفعنا» وحكم «فوق» مثل حكم تحت ، وقد تقدّم الكلام عليه. قال أبو البقاء : «ويضعف أن يكون حالا من «الطور» ، لأن التقدير يصير : رفعنا الطور عاليا ، وقد استفيد من «رفعنا» وفي هذا نظر لأنّ المراد به علوّ خاص وهو كونه عاليا عليهم لا مطلق العلوّ حتى يصير رفعناه عاليا كما قدّره. قال : «ولأنّ الجبل لم يكن فوقهم وقت الرفع ، وإنما صار فوقهم بالرفع». ولقائل أن يقول : لم لا يكون حالا مقدرة ، وقد قال هو في قوله «بقوة» إنها حال مقدّرة كما سيأتي.
والطّور : اسم لكلّ جبل ، وقيل لما أنبت منها خاصة دون ما لم ينبت ، وهل هو عربي أو سرياني؟ قولان ، وقيل : سمّي بطور ابن إسماعيل عليهالسلام ، وقال العجّاج :
٥٢٣ ـ داني جناحيه من الطّور فمرّ |
|
تقضي البازي إذا البازي كسر (٤) |
قوله : (خُذُوا) في محلّ نصب بقول مضمر ، أي : وقلنا لهم خذوا ، وهذا القول المضمر يجوز أن يكون في محلّ نصب على الحال من فاعل «رفعنا» والتقدير : ورفعنا الطور قائلين لكم خذوا. وقد تقدّم أنّ «خذ»
__________________
(١) البيت من شواهد القرطبي (١ / ٤٣٥).
(٢) سورة البقرة ، آية (٨).
(٣) انظر الشواذ ص (٦).
(٤) البيت في ديوانه (٢٨) الخصائص (٢ / ٩٠) أمالي القالي (٢ / ١٧١) ، المحتسب (١ / ١٥٧) ، المخصص (١١ / ١٢٠) ، الدرر (٢ / ٢١٣) ، الكامل (٣ / ٤٧) ، الكشاف (٤ / ٤٢٦) ، مجاز القرآن (٢ / ٣٠٠) ، ابن يعيش (١٠ / ٢٥٠) ، الهمع (٢ / ١٥٧) ، الأشموني (٤ / ٣٣٦).